إلَى حَاجَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْلُبُ لَبَنَهَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْضَحَ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ لَبَنُهَا، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعِيدًا يَنْزِلُ اللَّبَنُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِالْبَدَنَةِ ضَارًّا فَيَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَأَيُّ الشُّرَكَاءِ فِيهَا نَحَرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَعِينُ بِشُرَكَائِهِ فِي نَحْرِهَا فِي وَقْتِهِ دَلَالَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ بِهِ إفْصَاحًا
[عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ]
(قَالَ:): وَإِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ نَحَرَهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا إسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ بِهِ بَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ، وَهَذَا مِلْكُهُ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا بَلْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ لِلسِّبَاعِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْهَدَايَا عَلَى يَدِ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْلُكَ بِهَا الْفِجَاجَ وَالْأَوْدِيَةَ حَتَّى يَخْرُجَ بِهَا إلَى مِنًى، فَقَالَ: مَاذَا أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ عَلَى يَدَيَّ مِنْهَا، فَقَالَ: انْحَرْهَا وَاصْبُغْ نَعْلَهَا بِدَمِهَا» وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا وَاضْرِبْ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رِفْقَتِكَ مِنْهَا شَيْئًا، وَمَقْصُودُهُ مِمَّا ذَكَرَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا عَلَامَةً يُعْلَمُ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ أَنَّهَا هَدْيٌ فَيَتَنَاوَلُ مِنْهَا الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا نَهَاهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا مَعَ رِفْقَتِهِ ثُمَّ الْمُتَطَوِّعُ بِالْهَدَايَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَالْإِذْنُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٣٦]، فَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَنِيًّا بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا فَاتَ مَعْنَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ يَتَعَيَّنُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَدُّقِ، وَذَلِكَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَإِنْ أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ غَنِيًّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخَطْمِهَا أَيْضًا كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا
(قَالَ): وَإِذَا أَخْطَأَ الرَّجُلَانِ فَنَحَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ صَاحِبِهِ أَوْ ضَحِيَّتَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمَا صَنَعَ فِي هَدْيِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ بِمَا صَنَعَ مِنْ صَاحِبِهِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ يَسْتَعِينُ بِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي الذَّبْحِ فِي وَقْتِهِ دَلَالَةً، وَالْإِذْنُ دَلَالَةً بِمَنْزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute