للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا يَزُولُ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَصِلْ الْعِوَضُ إلَى يَدٍ ثَانِيَةٍ وَبِالْبَيْعِ تَزُولُ الْعَيْنُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْعِوَضِ إلَيْهِ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مِنْ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَهُمَا يَمْلِكَانِ الْكِتَابَةَ فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، فَالْمِلْكُ هُنَا يَزُولُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ

وَالْبَدَلُ فِي ذِمَّةٍ مُفْلِسَةٍ لَا يَدْرِي أَيَصِلُ إلَيْهِ أَمْ لَا بِمَنْزِلَةِ التَّأَدِّي. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ وِلَايَةُ التَّبَرُّعِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَبِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ لَا تَثْبُتُ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، كَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِمَالِ هُوَ أَضْعَافُ قِيمَتِهِ وَتَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَائِهِ لَمْ يَجُزْ، وَبِهِ يَبْطُلُ مَا اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِيَّةِ عَلَيْهِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَهَذَا الْعَقْدُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ، فَهُوَ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَكَمَا يَلْغُو السَّبَبُ إذَا حَصَلَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَحُكْمُ الْمُعَارَضَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ أَصْلُ السَّبَبِ؛ لِمَا قُلْنَا لَا يَنْقَلِبُ بِالتَّقَابُضِ بَيْعًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَصِيرُ بَيْعًا صَحِيحًا بِالتَّقَابُضِ فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ الْهِبَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَصِيرُ بَيْعًا صَحِيحًا بِالتَّقَابُضِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الْخِيَارِ فِي الشُّفْعَةِ]

(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثًا فِي الشِّرَاءِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ) أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِلدَّارِ وَعِنْدَهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبُ لِلْمُشْتَرِي، فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَمْلِكْ الدَّارَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَقَدْ خَرَجَتْ الدَّارُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهَا لِكَوْنِ الْبَيْعِ بَاقِيًا فِي جَانِبِهِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ تَعْتَمِدُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَائِعِ لَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي يَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا فَبِاعْتِبَارِهِ يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ الْمُحْوِجُ لِلشَّفِيعِ إلَى الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ إنْ قُبِلَ عَلَى الرِّدَّةِ، أَوْ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمُرْتَدِّ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَصَارَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهَا لَوْ أَسْلَمَ فَكَانَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارٍ ثَابِتٍ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ أَبَدًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَقٌّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ثَابِتٌ وَمَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>