سَوَاءٌ، ثُمَّ فَسَادُ الْبَيْعِ وَسُقُوطُ الْفُلُوسِ هُنَا كَانَ لِمَعْنًى حُكْمِيٍّ لَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا يَصِيرُ كَلَامُهُ بِهِ رُجُوعًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى شَرْطًا مُفْسِدًا؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ هُنَاكَ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَإِذَا صُدِّقَ هُنَا صَارَ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ عَايَنَاهُ اسْتَوَى بِفُلُوسٍ، ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ هُنَا. وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَتُّوقَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ بَيْعٍ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ كَالْفُلُوسِ فَإِنَّهُ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُهُ سَتُّوقَةٌ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةُ سِرْطَاقَةَ: الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ وَالْأَوْسَطُ صُفْرٌ وَالزُّيُوفُ اسْمٌ لِمَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ التِّجَارَةُ.
وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ عَشَرَةَ أَفْلُسٍ أَوْ قَالَ أَوْدَعْتُهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ الْفُلُوسِ مِنْ جِنْسِ الْفُلُوسِ حَقِيقَةً وَصُورَةً، وَلَيْسَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ مُوجِبٌ فِي الرَّائِجَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيَانِهِ تَعْبِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَصَحَّ مِنْهُ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ مَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ]
(بَابُ مَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ) (قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلُ قَالَ لِآخَرَ: اقْضِي الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ أَدَّيْتُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَعَمْ أُعْطِيكَ الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَنِي بَعْضُ مَسَائِلِ الْبَابِ وَبَعْضُ الْمَسَائِلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ مَفْهُومَ الْمَعْنَى يُجْعَلُ مُبْتَدِئًا فِيهِ لَا مَحَالَةَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَوَابِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا قَالَ سَأُعْطِيكَهَا أَوْ غَدًا أُعْطِيكَهَا أَوْ سَوْفَ أُعْطِيكَهَا فَإِنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَتْ إعَادَتُهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ كَإِعَادَتِهِ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ بِأَنْ يَقُولَ سَأُعْطِيكَ الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ فَأَقْعِدْهَا فَأَثِّرْ بِهَا فَانْتَقِدْهَا فَأَقْبِضْهَا أَوْ لَمْ يَقُلْ أَقْعِدْ، وَلَكِنْ قَالَ أَبِرَّهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ خُذْهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ فِي هَذَا كُلِّهِ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَثِّرْنَ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ خُذْ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكَلَامِ حَقِيقَةً فَتَرْكُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ إلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute