الْعِشْرَةَ مَعَ مَنْ تَخْتَارُهُ دُونَ مَنْ يَخْتَارُهُ الْوَلِيُّ
(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَ الثَّيِّبَ أَبُوهَا فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا رِضًا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّكُوتِ أَنْ لَا يَكُونَ رِضًا؛ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الرِّضَا فِي الْبِكْرِ؛ لِضَرُورَةِ الْحَيَاءِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ فَلِهَذَا لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ، وَلَا إذَا بَلَغَهَا الْعَقْدُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ]
(قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا بِرِضَاهَا فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَخَاصَمُوهَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ النِّكَاحَ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ أَمَرَتْ غَيْرَ الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا جَازَ النِّكَاحُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا أَوْ غَيْرَ كُفْءٍ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا جَازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا لَا يَجُوزُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِ كُفْءٍ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا جَازَ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: النِّكَاحُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا أَوْ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الزَّوْجَ إنْ كَانَ كُفُؤًا أَمَرَ الْقَاضِي الْوَلِيَّ بِإِجَازَةِ الْعَقْدِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيزَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُهُ فَيَجُوزُ.
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ سَوَاءٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَبْطَلَهُ بَطَلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجَدِّدَ الْعَقْدَ إذَا أَبَى الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ، وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا سَوَاءٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ أَمَتَهَا أَوْ تَوَكَّلَتْ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْغَيْرِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ غَنِيَّةً شَرِيفَةً لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً خَسِيسَةً يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ أَمَّا مَنْ شَرَطَ الْوَلِيَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute