مِثْلَ هَذَا عُذْرٌ لَهُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ
وَلَوْ دَفَعَ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ أَوْ يُسَافِرَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ، أَمَّا إذَا بَدَا لَهُ تَرْكُ الْعَمَلِ؛ فَلِأَنَّ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ إقَامَةَ الْعَمَلِ، وَلَا يَلْحَقُهُ سِوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّ بِالِامْتِنَاعِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ وَفِيمَا ذَكَرَ هُنَا لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّلُ بِالسَّفَرِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ، وَقِيلَ: إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَهُنَاكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِيَدِهِ، وَبَعْدَ السَّفَرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَفَرٍ يُبْتَلَى بِهِ فِي الْمُدَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَهُنَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِيَدِهِ، فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ بِأُجَرَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَغِلْمَانِهِ بَعْدَ السَّفَرِ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَا لِصَاحِبِ النَّخِيلِ أَنْ يَمْنَعَ الْعَامِلَ مِنْهُ وَيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَى عَامِلٍ آخَرَ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ بِخِلَافِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَحْتَاجُ إلَى إتْلَافِ بَذْرِهِ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ، وَهُنَا رَبُّ النَّخِيلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي جَانِبِ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ النَّخْلِ، فَإِذَا حُبِسَ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي فَسْخِ الْمُعَامَلَةِ لِلْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْأَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَرْضِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَدْفَعُهَا أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ: ازْرَعْ نَصِيبَك مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك، وَهَذِهِ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ، أَوْ قَالَ: وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ وَهِيَ مَطْعُونَةٌ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِالْأَمْسِ؛ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ قَالَ: ازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ، وَازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ حَتَّى تَصِحَّ الْمُزَارَعَةُ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ مِنْ الْأَرْضِ، قُلْنَا: لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute