للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدُونِ الْمَحِلِّ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْمَحِلُّ بِتَكْذِيبِهَا، فَأَمَّا فِعْلُ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُقِرِّ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْآخَرِ فَانْتِفَاءُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِإِنْكَارِهِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرِ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا قَطَعَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الطَّرِيقَ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قَالَ: يَقْطَعُ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ الْيُمْنَى وَأَرْجُلَهُمْ الْيُسْرَى مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُصَلِّبَهُمْ إنْ شَاءَ، وَإِنَّمَا شَرْطُنَا أَنْ يَكُونُوا قَوْمًا؛ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبُونَ بِالنَّصِّ، وَالْمُحَارَبَةُ عَادَةً مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَقْوَوْنَ عَلَى غَيْرِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَلَا يَنْقَطِعُ الطَّرِيقُ إلَّا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ، وَشَرْطُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنَّهُمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنِينَ فِي دَارِنَا فَفِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ خِلَافٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَشَرْطُ أَنْ يَقْطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِتَكُونَ الْعِصْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً فِي مَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ لِانْعِدَامِ الْعِصْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فِي مَالِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَهُوَ مِثْلُهُ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى.

ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ حَدَّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى التَّرْتِيبِ بِحَسَبِ جِنَايَتِهِمْ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ نَأْخُذْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَافَ السَّبِيلَ، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا قَدْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ أَغْلَظُ الْعُقُوبَاتِ فَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهُ عَلَى مَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يُبَاشِرْ، وَالْقَطْعُ جَزَاءُ أَخْذِ الْمَالِ، كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى إلَّا أَنَّ ذَاكَ دَخَلَهُ نَوْعُ تَخْفِيفٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْفِي فِعْلَهُ، وَهَذَا يَغْلُظُ بِالْمُجَاهَرَةِ، وَلِهَذَا وَجَبَ قَطْعُ عُضْوَيْنِ مِنْهُ مِنْ أَعْضَائِهِ ثُمَّ مَنْ هَمَّ بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، فَكَذَلِكَ مَنْ هَمَّ بِأَخْذِ الْمَالِ هَاهُنَا وَلَمْ يَأْخُذْ، فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْإِمَامُ يَصْلُبُهُمْ أَخْذًا فِيهِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>