دِرْهَمًا: تِسْعُمِائَةٍ بَقِيَّةُ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاسْتِسْعَاءِ الْجَارِيَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ فِي دَيْنِ مَوْلَاهَا، وَلَكِنْ يَسْتَسْعِيَ الْوَلَدَ فِي ذَلِكَ لِيُعْتَقَ، ثُمَّ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ رِبْحٌ فَيَسْعَى لِرَبِّ الْمَالِ فِي نِصْفِهَا، وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ، وَنِصْفُ عُشْرِهِ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ دَيْنًا عَلَى الْمُضَارِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ رِبْحًا كُلَّهَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْهَا بِالِاسْتِيلَادِ، وَذَلِكَ النِّصْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِبَعْضِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِاشْتِبَاهِ الْمُتَوَفَّى؛ لِأَنَّ فِي الْحَالِ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَالْقِصَاصُ لِرَبِّ الْمَالِ دُونَ الْمُضَارِب، وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمُضَارِبُ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا رَأْسَ مَالِهِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بِحِسَابِ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى ذَلِكَ ظَهَرَ فِي الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَمِعَا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِنَفْسِهِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ كَمَالُ رَأْسِ مَالِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ فَارَقَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا قُتِلَ عَمْدًا، وَاجْتَمَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنَّ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مَعَ حَقِّ الرَّاهِنِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الْمُضَارِبِ مَعَ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ هُنَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ لَا يُعَدُّ وَهْمًا، وَلَيْسَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مَا يَتَضَمَّنُ مُخَالَفَةَ حُكْمِ الشَّرْعِ، بَلْ مَالِيَّةُ الرَّهْنِ تَصِيرُ تَاوِيَةً بِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَهُنَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ سَلَامَةُ شَيْءٍ لِلْمُضَارِبِ قَبْلَ وُصُولِ كَمَالِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ هُنَاكَ الرَّاهِنُ هُوَ الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَهُنَا الْمَالِكُ رَبُّ الْمَالِ فِي الْحَالِ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ الْمُضَارِبُ شَرِيكٌ فِي الْمَآلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute