للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَلٍ مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الطَّالِبِ حَتَّى يَقْبِضَ الطَّالِبُ مَالَهُ؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ لَمْ يَصِرْ الطَّالِبُ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا وَالْمَالُ بِعَرَضِ الْعَوْدِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَتَانِ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا مُفْلِسَيْنِ.

وَلَوْ احْتَالَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِمَالِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَتَرَكَ وَفَاءً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَانَ فِي طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَقِسْمَتِهِ تَأْخِيرٌ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مَلِيًّا فَإِنَّ تَرِكَتَهُ خَلَفٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَمَعَ بَقَاءِ الْحَوَالَةِ لَا سَبِيلَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمُحِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْأَمْرِ بِالضَّمَانِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَضْمَنَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ بِخَلِيطٍ لَهُ فَضَمِنَهَا لَهُ؛ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ يَأْخُذُهُ بِهَا الطَّالِبُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. وَالْمَضْمُونُ مَا يَكُونُ لَازِمًا فِي ذِمَّتِهِ وَيَكُونُ هُوَ مُجْبَرًا عَلَى أَدَائِهِ فَإِذَا أَدَّاهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْكَفِيلُ لِنَفْسِهِ ضَمَانَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالضَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَافِ مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ وَيُسْقِطُ الْمُطَالَبَةَ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَأَعَادَهَا فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِيمَا سَبَقَ وَقَالَ: إنْ قَالَ الْكَفِيلُ: إنِّي لَمْ أَضْمَنْ لَك دَيْنًا كَانَ لَك عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا ضَمِنْت لَك مَالًا لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ، وَلَا عَلَى غَيْرِي؛ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يُكَلَّفُ شَيْئًا وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُ تَفْسِيرَ وَجْهِ هَذَا الْمَالِ: مِنْ أَيْنَ كَانَ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟ وَلَكِنْ كَانَ الْكَفِيلُ يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي قَامَتْ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ، وَالْكَفِيلُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ حَقَّهُ حِينَ كَفَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَقَدْ بَاشَرَ الْكَفِيلُ الْكَفَالَةَ ظَاهِرًا.

وَوَجْهُ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِلْمُطَالَبَةِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَصِيرُ هُوَ مُقِرًّا بِذَلِكَ ثُمَّ هُوَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا، فَيَكُونُ رُجُوعُهُ بَاطِلًا وَإِقْرَارُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَأَنَا بِهَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَنْكَرَ الْأَصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُطَالَبُ بِالْمَالِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ إذَا أَدَّى.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>