يَمِينَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَيْهِ وَبَعْدَمَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ لَا يُسْتَوْفَى الْحَدُّ الْوَاجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي حَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ حَلَفَ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُقْطَعُ كَانَ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ بِالْيَمِينِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالْيَمِينِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى سَدِّ بَابِ هَذَا الْحَدِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ أُمِرْنَا بِدَرْءِ الْحَدِّ عِنْدَ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ تَتَمَكَّنُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بِدَلِيلِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُقِرِّ إذَا رَجَعَ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَمَا مِنْ مُقِرٍّ إلَّا وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ
[سَرَقَ بَابَ دَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ]
(قَالَ) وَإِنْ سَرَقَ بَابَ دَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ مَالٍ غَيْرِ مُحْرَزٍ، وَلِأَنَّ بِالْبَابِ يَصِيرُ مَا فِي الْبَيْتِ مُحْرَزًا فَسَارِقُ الْبَابِ يَكُونُ سَارِقًا لِلْحِرْزِ دُونَ الْمُحْرَزِ دُونَ الْمُحْرَزِ فَهُوَ كَسَرِقَةِ الْحَارِسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا قَدْ سَقَطَ عَلَى حَائِطٍ إلَى السِّكَّةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ، فَإِنَّ الْحَائِطَ غَيْرُ مُحْرَزٍ بَلْ بِهِ يُحْرَزُ مَا فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ فَمَا عَلَى ظَاهِرِ الْحَائِطِ لَا يَكُونُ مُحْرَزًا أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ خَشَبَةً أَوْ سَاجَةً فِي السِّكَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ بَيْتِ إنْسَانٍ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ أَوْ حَانُوتِ تَاجِرٍ فِي السُّوقِ قَدْ أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ مُحْرَزًا بِالْمَكَانِ تَارَةً وَبِالْحَائِطِ أُخْرَى، وَكُلُّ مَكَان هُوَ مُعَدٌّ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ فَهُوَ حِرْزٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا مَبْنِيًّا لِذَلِكَ لَا يَكُونُ حِرْزًا، وَالْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْرَزٍ بِالْمَكَانِ، فَأَمَّا فِيمَا كَانَ مُحْرَزًا بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ مُحْرَزٌ، فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْرَازُ فِيمَا لَيْسَ مُحْرَزًا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْحَانُوتُ حِرْزٌ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْهُ لَيْلًا اسْتَوْجَبَ الْقَطْعَ، وَإِذَا فَتَحَ التَّاجِرُ بَابَ الْحَانُوتِ بِالنَّهَارِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُ فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ كَانَ دَاخِلًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَاخِلٍ بِحُكْمِ الْإِذْنِ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ فَيَنْعَدِمُ هَتْكُ الْحِرْزِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَانُوتِ هُنَاكَ يَحْفَظُ مَتَاعَهُ أَوْ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ الْحَافِظَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيمَا هُوَ مُحْرَزٌ بِالْمَكَانِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الْمَأْذُونُ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَوْ الدَّارُ الْوَاحِدَةُ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِي بَعْضِ بُيُوتِهَا وَيَسْتَوِي إنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ بَيْتِ آخَرَ فِيهَا أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حِرْزٌ وَاحِدٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ مَا لَمْ يُخْرِجْ الْمَسْرُوقَ مِنْ الدَّارِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقَطْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ تَنْفَصِلُ عَنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute