أَهْلِ الْقُرَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ»، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ الْأُضْحِيَّةُ حَتَّى إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِالْمِصْرِ وَأُضْحِيَّتُهُ بِالسَّوَادِ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ بِالسَّوَادِ وَأُضْحِيَّتُهُ بِالْمِصْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
قَالَ (وَيُجْزِيهِ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُمْ كَرِهُوا الذَّبْحَ فِي اللَّيَالِي)؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَغْلَطَ فَتُفْسِدَ الظُّلْمَةُ اللَّيْلَ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ.
قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةُ الْعِيدِ)؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَشْغُولُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ الْعِيدِ. وَيَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُرَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابٌ مِنْ الصَّيْدِ]
(بَابٌ مِنْ الصَّيْدِ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ انْفَلَتَ مِنْ يَدِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَا أَحْرَزَهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لَهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالِانْفِلَاتِ مِنْ يَدِهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الثَّانِي بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ يَمْلِكُ الصَّيْدَ الْمُبَاحَ لَا الْمَالَ الْمَمْلُوكَ كَمَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ آخَرُ لَا يَمْلِكُهُ
وَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَصَاحِبُ الشَّبَكَةِ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آخِذًا لَهُ بِالْوُقُوعِ فِي شَبَكَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَهُوَ لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّ نَاصِبَ الشَّبَكَةِ يَقْصِدُ الِاصْطِيَادَ فَيَصِيرُ هَذَا آخِذًا لِلصَّيْدِ بِالْوُقُوعِ فِي شَبَكَتِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ مُحْرِمٌ كَانَ ضَامِنًا وَضَارِبُ الْفُسْطَاطِ مَا قَصَدَ الِاصْطِيَادَ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِفُسْطَاطِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ مُحْرِمٌ لَمْ يَضْمَنْ.
قَالَ (وَمَنْ أَخَذَ بَازِيًا، أَوْ شَبَهَهُ فِي مِصْرٍ، أَوْ سَوَادٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ سَيْرٌ، أَوْ جَلَاجِلُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَهْلِيٌّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِثُبُوتِ يَدِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْضَةِ مَعَ الْجَلَاجِلِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ انْفَلَتَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ أَرْسَلَهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَنْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْغَيْرَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ ظَبْيًا، وَفِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ حَمَامَةً فِي الْمِصْرِ يَعْرِفُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَكُونُ وَحْشِيَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ.
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ بُرْجَ حَمَامٍ فَأَوْكَرَتْ فِيهِ حَمَامُ النَّاسِ فَمَا يَأْخُذُ مِنْ فِرَاخِهَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute