بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، فَيُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي السِّيَرِ. .
وَلَوْ أَنَّ الْمُتَأَوِّلِينَ الشَّاهِدِينَ عَلَيْنَا بِالشِّرْكِ الْمُسْتَحِلِّينَ لِمَالِنَا اقْتَسَمُوهُ، وَأَخَذُوا جَوَارٍ مِنْ جَوَارِينَا، فَاقْتَسَمُوهُنَّ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَمَا تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ، وَاسْتَوْلِدُوهُنَّ، ثُمَّ تَابُوا أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ رُدَّتْ الْجَوَارِي إلَى مَوَالِيهنَّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَلَّكُوهُنَّ إمَّا لِانْعِدَامِ تَمَامِ الْإِحْرَازِ، فَتَمَامُهُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارٍ تُخَالِفُ دَارَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ، أَوْ لِبَقَاءِ إحْرَازِ الْمُلَّاكِ لِبَقَاءِ الْجَوَارِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ مِنْهُنَّ، وَلَا عُقْرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ هُوَ عَيْنٌ، وَإِتْلَافُ الْجُزْءِ مُعْتَبَرٌ بِإِتْلَافِ الْكُلِّ، وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاطِئَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِهِ، وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَغْرُورِ إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَغْرُورُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ حُدُوثَ الرِّقِّ فِيهِمْ، فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ، وَهُنَا هُوَ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ بِالْإِتْلَافِ لِصَاحِبِ الْجَارِيَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ فِيمَا أَخَذُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مُدَّبَّرَةٍ، أَوْ أُمِّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبَةٍ فَوَلَدَتْ لَهُمْ، ثُمَّ أَسْلَمُوا إنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُمْلَكُونَ بِالْإِحْرَازِ، فَيَكُونُ حَالُ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ كَحَالِ الْخَوَارِجِ فِي الْجَوَارِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
[بَابُ مَا يُخَالِفُ الْمُكْرَهُ فِيهِ مَا أُمِرَ بِهِ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ غَيْرَ مَقْسُومٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَقْسُومًا، وَلَا غَيْرَهُ، وَأُكْرِهَ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَوَهَبَ الدَّارَ كُلَّهَا، وَسَلَّمَهَا، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَالْجَمِيعُ غَيْرُ النِّصْفِ، وَهِبَةُ نِصْفِ الدَّارِ غَيْرُ مَقْسُومٍ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ قَدْ أَتَى بِهِبَةٍ صَحِيحَةٍ عَرَفْنَا أَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَكَانَ طَائِعًا فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُمِرَ بِهِبَةِ الدَّارِ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ بِصَدَقَتِهَا عَلَيْهِ، فَوَهَبَهَا لَهُ، وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ الصَّدَقَةِ، فَالْهِبَةُ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ الْعِوَضُ، وَالصَّدَقَةُ جَعَلَ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، ثُمَّ الصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِتَكُونَ كِفَايَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لَا تَجُوزُ، وَالْهِبَةُ لَهُمْ حَسَنٌ، وَأَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ، وَحَقُّ الرُّجُوعِ ثَابِتٌ لِلْوَاهِبِ، وَفِي الْهِبَةِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إنَّمَا لَا يَرْجِعُ لِصِيَانَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْقَطِيعَةِ، أَوْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْهِبَةِ، وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute