يَعُولُهُ لَهُ فَجَاءَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُهُ عَادَة، وَإِذَا صَالَحَ الَّذِي جَاءَ بِالْآبِقِ مَوْلَاهُ مِنْ الْجُعْلِ عَلَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ، وَأَحْسَنُ إلَيْهِ بِحَطِّ بَعْضِ مَا اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْجُعْلَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا جَازَ مِنْهُ أَرْبَعُونَ، وَيَطْرَحُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْأَرْبَعِينَ شَرْعًا فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ رَبًّا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ صَالَحَ الشَّرِيكُ الْمُعْتَقُ شَرِيكَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ كَانَ الْفَضْلُ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ، وَلَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَرَدَّهُمَا رَجُلٌ فَلَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الرَّضِيعِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَإِنَّمَا رَدَّ آبِقًا وَاحِدًا، وَهِيَ الْأَمَةُ، وَإِنْ كَانَ ابْنُهَا غُلَامًا قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ جُعْلَانِ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ تَحَقَّقَ مِنْهُمَا، فَإِنَّمَا أَحْيَا مَالِيَّةَ مَمْلُوكَيْنِ بِالرَّدِّ فَيَسْتَوْجِبُ جُعْلًا كَامِلًا بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا رَدَّ الْعَبْدَ مِنْ إبَاقِهِ، وَسَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَهُ الْجُعْلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَا الْمَالِيَّةَ لَهُ بِالرَّدِّ، وَالْإِيصَالِ إلَيْهِ فَزَوَالُ مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ كَزَوَالِ مِلْكِهِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الرَّادِّ فِي الْجُعْلِ فَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ فِيهِ الْوَاهِبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ إمْلَاءً: الْمَفْقُودُ اسْمٌ لِمَوْجُودٍ هُوَ حَيٌّ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ حَالِهِ وَلَكِنَّهُ خَفِيُّ الْأَثَرِ كَالْمَيِّتِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ يَجِدُّونَ، وَلِخَفَاءِ أَثَرِ مُسْتَقَرِّهِ لَا يَجِدُونَ قَدْ انْقَطَعَ عَلَيْهِمْ خَبَرُهُ وَاسْتَتَرَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ، وَبِالْجِدِّ رُبَّمَا يَصِلُونَ إلَى الْمُرَادِ وَرُبَّمَا يَتَأَخَّرُ اللِّقَاءُ إلَى يَوْمِ التَّنَادِ وَالِاسْمُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ يَقُولُ الرَّجُلُ: فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْتُهُ، وَفَقَدَتْهُ أَيْ طَلَبْتُهُ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْقُودِ، فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ، وَحُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ هُوَ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرِبَائِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَيَاتِهِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَإِنَّهُ عَلِمَ حَيَاتَهُ فَيَسْتَصْحِبُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُعْتَبَرٌ فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَفِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَفِي تَوْرِيثِهِ مِنْ الْغَيْرِ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ، وَلِأَنَّ حَيَاتَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute