للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْجُو النَّجَاةَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْمَيْلِ إلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَرْجُو النَّجَاةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو النَّجَاةَ فِي الْجَانِبَيْنِ يُخَيَّرُ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْمَاءِ فَوْقَ مَا يَصْبِرُ عَلَى النَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ صَبْرُهُ عَلَى الدُّخَانِ وَالنَّارِ أَكْثَرُ عَلَى غَمِّ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو النَّجَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَتَخَيَّرُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى النَّارِ كَانَ هَلَاكُهُ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ كَانَ هَلَاكُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ فِي نَفْسِهِ الْمَاءَ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَجَاءِ النَّجَاةِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ لَا يَرْجُو النَّجَاةَ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ دَفْعًا لِلْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ طَبَائِعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ غَمَّ الْمَاءِ عَلَى أَلَمِ النَّارِ فَهُوَ بِالْإِلْقَاءِ يَدْفَعُ أَلَمَ النَّارِ عَنْ نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الصَّبْرَ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا عَلَيْهِ ثُمَّ هُوَ وَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ مَدْفُوعٌ بِفِعْلِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ أَلْجَئُوهُ إلَى ذَلِكَ وَأَفْسَدُوا عَلَيْهِ اخْتِيَارَهُ فَلَا يَبْقَى فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ ذَلِكَ فِي إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فَلِهَذَا يُخَيَّرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابٌ فِي تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ]

بَابٌ فِي تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْكُفَّارِ أَهْلَ ذِمَّةٍ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ وَعَلَى الْأَرَضِينَ بِقَدْرِ الِاحْتِمَالِ أَمَّا خَرَاجُ الرُّءُوسِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَأَمَّا السُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَأَخَذَ الْحُلَلَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ» وَكَانَتْ جِزْيَةً وَقَالَ: «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» يَعْنِي فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ قَالَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ عَلَى الشِّرْكِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ تَقْرِيرُ الزَّانِي عَلَى الزِّنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ فِي إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَإِثْبَاتُ النُّبُوَّةِ ثُمَّ نَقُولُ: الْمَقْصُودُ لَيْسَ هُوَ الْمَالُ بَلْ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ يُتْرَكُ الْقِتَالُ أَصْلًا وَلَا يُقَاتَلُ مَنْ لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يَسْكُنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الدِّينِ وَيَعِظُهُ وَاعِظٌ فَرُبَّمَا يُسْلِمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَكَنَ دَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>