الْأَجِيرِ بِكَمْ اُسْتُؤْجِرْت؟ قَالَ: بِدِينَارَيْنِ قَالَ: «إنَّمَا لَك دِينَارُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَنْفِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُؤْثِرُ عَنْ رَبِّهِ «مَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا وَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ كُلُّهُ لِذَلِكَ الشَّرِيكِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» فَلِهَذَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِشْرَاكُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ وَإِذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ الْحَرَسُ فَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْحَرَسِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَاعَةٌ أَمَّا الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَرَسُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثُ أَعْيُنٍ لَا تَمَسُّهَا نَارُ جَهَنَّمَ عَيْنٌ غَضَّتْ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ الْحَرَسُ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَهِيَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَتَدْفَعُ الْخَوَاطِرَ الرِّدْيَةَ وَتَمْنَعُ اللَّغْوَ فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَكْفِيهِ الْحَرَسُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَرَسِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَالْحَرَسُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ مُمْكِنٌ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَرَسِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَالِاشْتِغَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا هُوَ مُتَعَيَّنٌ أَوْلَى وَهُوَ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَإِذَا طُعِنَ الْمُسْلِمُ بِالرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى صَاحِبِهِ وَالرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ وَلَا يَكُونُ بِهِ مُعِينًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْدُوبٌ إلَى بَذْلِ نَفْسِهِ فِي قَهْرِ الْمُشْرِكِينَ وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْبَرُ مِنْ بَذْلِ النَّفْسِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ مِنْ قَرْنِهِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ حَمَلَ الْوَاحِدُ عَلَى جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ بَعْضَهُمْ أَوْ يَنْكِي فِيهِمْ نِكَايَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْكِي فِيهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] {وَلَا تَلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى يَوْمَ أُحُدٍ كَتِيبَةً مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: مَنْ لِهَذِهِ الْكَتِيبَةِ فَقَالَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسَ: أَنَا لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى فَرَّقَهُمْ ثُمَّ رَأَى كَتِيبَةً أُخْرَى فَقَالَ: مَنْ لِهَذِهِ الْكَتِيبَةِ؟ فَقَالَ وَهْبٌ: أَنَا لَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ لَهَا وَأَبْشِرْ بِالشَّهَادَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى فَرَّقَهُمْ وَقُتِلَ هُوَ» فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْكِي فِعْلُهُ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَفِينَةٍ فَأُلْقِيَتْ إلَيْهِمْ النَّارُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى النَّارِ أَوْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ أَمَّا إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute