للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَنْزِلَةِ مَشْيِ الْمَاشِي وَفِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلسَّبَبِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْحَافِرِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ حَجَرًا أَوْ بَنَى فِيهِ بِنَاءً أَوْ أَخْرَجَ مِنْ حَائِطِهِ جِذْعًا أَوْ صَخْرَةً شَاخِصَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَشْرَعَ كَنِيفًا أَوْ حِيَاضًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جِذْعًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ لِهَلَاكِ مَا تَلِفَ بِمَا أَحْدَثَهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَإِنَّهُ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُمْ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِصِيَانَةِ دَمِ الْمُتْلِفِ عَنْ الْهَدَرِ فَإِذَا أَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِي تَسْبِيبِهِ نُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا جُعِلَ التَّسَبُّبُ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي التَّسَبُّبِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلًا بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ وَلَا مَقْتُولًا عِنْدَ إحْدَاثِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلًا عِنْدَ الْإِصَابَةِ فَلَعَلَّ الْمُحْدِثَ مَيِّتٌ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَيِّتُ قَاتِلًا؟.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ الْقَاتِلِ وَالْقَتْلُ نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَفِي كُلِّ مَا يُتَصَوَّرُ الْعَمْدُ فِي جِنْسِهِ يُتَصَوَّرُ الْخَطَأِ أَيْضًا وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْقَصْدِ إلَى اسْتِعْجَالِ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ لَا يُشْكِلُ وَفِي الْخَطَأِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ قَاصِدٌ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فَالْخَطَأُ شَرْعًا يُبْنَى عَلَى الْخِطَابِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُثْبِتُ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْمِيرَاثِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا: إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى مُورِثِهِ بِالْقِصَاصِ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثُ وَإِنْ رَجَعُوا لَا تَلْزَمُهُمْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ فِعْلٍ مَحْظُورٍ وَالْقَاضِي بِقَضَائِهِ لَا يَصِيرُ قَاتِلًا وَكَذَلِكَ شُهُودُ الْقِصَاصِ لَا يُحْرَمُونَ الْمِيرَاثَ وَإِنْ رَجَعُوا لَا تَلْزَمُهُمْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَهُمْ بِالشَّهَادَةِ مَا صَارُوا قَاتِلِينَ مُبَاشَرَةً فَإِنْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِمَنْ يَعْثُرُ بِمَا أَحْدَثَهُ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ بِهِ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>