فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ بِتَوَحُّشِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَعَذَّرَ سُقُوطُهُ فِي مَهْوَى، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ زُهْدِهِ وَتَفَرُّدِهِ رَغِبَ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ، وَالْعُسَيْرُ تَصْغِيرُ الْعَسِيرِ، وَقَدْ رُوِيَ عُشَيْرَاءُ، وَهُوَ سَوَادُ الْبَطْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
(وَعَنْ) إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَنْحَرُوهُ فَمِنْ حَيْثُ نُحِرَ فَهُوَ لَهُ ذَكَاةٌ. فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَعِيرِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ، وَبِهِ نَطَقَ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] وَالْمُرَادُ الشَّاةُ، وَاَلَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحَرْنَا الْبَدَنَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» مَعْنَاهُ وَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِضْمَارِ مَعَ الْعَطْفِ مَعْلُومٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَائِلُ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَيْ، وَسَقَيْتُهَا بَارِدًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْلَفُ
[ذَكَاةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ]
، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ذَكَاةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ أَخْذُهُ، وَمُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِمَا بَلْ يَثْبُتُ الْحِلُّ فِيهِمَا بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِكَوْنِ الْآخِذِ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الذَّكَاةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ لِلْمُذَكِّي، وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ عَرَفْنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ»، وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ قَالَ: كُلْهُ كُلْهُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كُلْهُ كُلَّهُ فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ تَكْرَارٌ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالثَّانِي بَيَانُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَأَنَّ الْجَرَادَ وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ، فَإِنَّهُ بَحْرِيُّ الْأَصْلِ بَرِّيُّ الْمَعَاشِ، كَمَا قِيلَ: إنَّ بِيضَ السَّمَكِ إذَا انْحَصَرَ عَنْهُ الْمَاءُ يَصِيرُ جَرَادًا، فَإِذَا مَاتَ فِي الْبَرِّ فَقَدْ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ أَصْلِهِ، وَإِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ فَقَدْ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ مَعَاشِهِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْجَرَادِ مَا رُوِيَ أَنَّ مَرْيَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَأَلَتْ لَحْمًا هَشًّا فَرُزِقَتْ الْجَرَادَ، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُولَعًا بِأَكْلِ الْجَرَادِ حَتَّى قَالَ يَوْمًا فِي مَجْلِسِهِ: لَيْتَ لَنَا قَصْعَةً مِنْ جَرَادٍ فَنَأْكُلُهُ، أَوْ قَالَ: نَقْعَةً.
(وَعَنْ) عَمْرَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ وَلِيدَةٍ لَنَا فَاشْتَرَيْنَا خِرِّيتَةً بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَوَضَعْنَاهَا فِي زِنْبِيلٍ فَخَرَجَ رَأْسُهَا مِنْ جَانِبٍ، وَذَنَبُهَا مِنْ جَانِبٍ فَمَرَّ بِنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لِي: بِكَمْ أَخَذْتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَا أَطْيَبَهُ وَأَرْخَصَهُ وَأَوْسَعَهُ لِلْعِيَالِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَرَادَ مَأْكُولٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْخِرِّيتِ فَقَالَ: فَأَمَّا نَحْنُ، فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا، فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute