للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَوْلَى فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ لِلْمَوْلَى بَقِيَ مَشْغُولًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَقُلْنَا يُصْرَفُ جَمِيعُ الْكَسْبِ إلَى دُيُونِهِمْ إلَّا مَا عَلِمَ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الدَّيْنِ يَلْحَقُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ.]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ فِي كَسْبِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أُمِرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْغَرِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَسْبٌ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دُيُونِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]، وَالْعَبْدُ الَّذِي لَا كَسْبَ فِي يَدِهِ مُعْسِرٌ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلنَّظِرَةِ شَرْعًا وَلَوْ أَجَّلَهُ الطَّالِبُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْظَرَهُ الشَّرْعُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا مِنْ تِجَارَتِهِ وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى قَبْلَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَلَا رَهْنَهَا وَتَأْثِيرُهُ وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ قَضَاءِ دَيْنِ التِّجَارَةِ شِبْهُ الِالْتِزَامِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ الْتَزِمْهُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ عَبْدِهِ، وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ دُونَ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ لَهُ يَكُونُ مُلْتَزِمًا عُهْدَةَ تَصَرُّفَاتِهِ فِي أَكْسَابِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ لَا إتْلَافَ مِلْكِهِ وَهَذَا كَإِذْنِ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ لِعَبْدِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إذَا كَانَ رُجُوعُ الْعَبْدِ بِالْعُهْدَةِ مَقْصُورًا عَلَى كَسْبِهِ فَصَارَ فِي حَقِّ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مَا بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا قَبْلَهُ وَكَمَا لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ قَبْلَ الْإِذْنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ وُجُوبَهُ يَتَقَرَّرُ سَبَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى اعْتِبَارِ رِضَا الْمَوْلَى وَاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمَوْجُودَةَ مِنْ مِلْكِهِ كَالْجِنَايَةِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ هُنَاكَ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَأَخُّرِ حَقِّهِ، وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ إضْرَارٌ بِهِ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَهُنَا صَاحِبُ الدَّيْنِ عَامَلَ الْعَبْدَ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ حِينَ عَامَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ كَسْبٌ، وَالْمَوْلَى غَيْرُ رَاضٍ بِإِتْلَافِ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَمُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمَوْلَى أَوْلَى، وَأَصْحَابُنَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ رَجُلًا فِي دَيْنِهِ يُقَالُ لَهُ سُرْفٌ» فَحِينَ كَانَ بَيْعُ الْحُرِّ جَائِزًا بَاعَهُ فِي دَيْنِهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>