للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرْغُوبٍ فِيهِ، فَأَمَّا الْمَعْمُولُ مِنْهُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْمُولِ مِنْ الْخَشَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ بِصُورَتِهِ مُبَاحًا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَا تَغْلِبُ عَلَى الْأَصْلِ عَادَةً وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ لَا يُقْطَعُ فِي الْبَوَارِي وَالْقَصَبِ؛ لِأَنَّ الْقَصَبَ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ ثُمَّ الصَّنْعَةُ لَا تَغْلِبُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَضَاعَفُ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ وَيَكُونُ تَافِهًا بَعْدَ الصَّنْعَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَالْبَسْطِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُحَرَّزَةِ وَغَيْرِ الْمُحَرَّزَةِ بِخِلَافِ الْمَعْمُولِ مِنْ الْخَشَبِ فَالصَّنْعَةُ هُنَاكَ تَغْلِبُ عَلَى الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيمَةَ تَزْدَادُ بِالصَّنْعَةِ أَضْعَافًا وَذَكَرَ أَنَّ فِي الْعَاجِ يَجِبُ الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَبَنُوسِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَافِهًا، فَإِنَّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ عَادَةً وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الصَّنْدَلِ وَالْعَنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ شُبْهَةً فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى الْإِبَاحَةِ

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ كَذَا وَكَذَا يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ، وَلَا شُبْهَةَ وَالسَّرِقَةُ بِخُصُومَةِ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَوَصِيِّ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا شُبْهَةَ

[السَّارِقُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ]

(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُحْرَزٌ بِدَارِنَا، فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ، كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَإِحْرَازُ الْمُسْتَأْمَنُ لَا يَتِمُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ إحْرَازَ الْمَالِ تَبَعٌ لِإِحْرَازِ النَّفْسِ، وَلَا يَتِمُّ إحْرَازُ نَفْسِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَكَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إحْرَازُ مَالِهِ، وَلِأَنَّهُ بَقِيَ حَرْبِيًّا حُكْمًا حَتَّى يَبْقَى النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَالُ الْحَرْبِيِّ مُبَاحُ الْأَخْذِ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ إبَاحَةُ الْأَخْذِ بِسَبَبِ الْأَمَانِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْ السَّارِقِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، فَإِنَّهُ يَتِمُّ إحْرَازُ نَفْسِهِ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

(قَالَ) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَغَارَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَيْلًا فَسَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَالًا فَجَاءَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ قَالَ لَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَأْخُذُوا أَمْوَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُمْسِكُوهُ إلَى أَنْ يَتُوبُوا أَوْ يَمُوتُوا فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِمْ فَتَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ فِي أَخْذِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَغَارَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>