بِدُونِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَهُوَ مَمَرٌّ وَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِإِيقَافِ الدَّابَّةِ فَإِذَا أَوْقَفَ فِيهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَرْسَلَهَا فِيهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَوْقَفَهَا وَلَا أَرْسَلَهَا فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ فَجُرْحُهَا هَدَرٌ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ مَعَ أَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَدِّ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ إذَا سَارَ عَلَى دَابَّتِهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِلنَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ لِأَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الطَّرِيقِ فَالسَّيْرُ فِيهِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ دُونَ مَا لَا يُمْكِنُ فَإِذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهَا فَهُوَ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِهَا وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جِنَايَتُهُ تَكُونُ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِي خَطَأِ عَبْدِهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيَمِهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْقِيمَةِ الثَّمَنَ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ الضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِهِ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِهْلَاكِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ فَيَكُونُ وَاجِبًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيَكُونُ شَاغَلَا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الْمُسْتَحَقُّ نَفْسُ الْجَانِي قِصَاصًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَكَذَلِكَ فِي الْخَطَأِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ عَلَى وَجْهِ الْجُبْرَانِ وَالْحُرُّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُسَاوِيًا لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَيَكُونُ مُفَارِقًا لَهُ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّ عُذْرَ الْخَطَأِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ تَمْلِيكًا وَالسَّبَبُ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّهِ وَفِي حَقِّ الْحُرِّ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ السَّبَبُ صَادَفَ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ مُقَيَّدًا حُكْمُهُ وَهُوَ أَنَّ نَفْسَهُ صَارَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَمْلِيكًا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لَا مَقْصُودَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِهِ وَبَدَلُ الْمُتْلَفِ يَصِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute