للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ حَبْسٍ عَلَى أَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا بَطَلَ الصَّدَاقُ كُلُّهُ عَنْ زَوْجِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا، فَالشَّرْعُ مَلَّكَهَا أَمْرَ نَفْسِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْإِكْرَاهِ إبْطَالُ شَيْءٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلْمَوْلَى دُونَهَا، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الْمَهْرِ عَادَ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الصَّدَاقُ لِمَوْلَاهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكْرَهَ الزَّوْجَ عَلَى شَيْءٍ، وَلِأَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ كُلُّهُ بِالدُّخُولِ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ الْمُكْرِهُ مِلْكَ الْبُضْعِ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ بِالْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْبُضْعِ عِنْدِ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْخِيَارِ فِي الْإِكْرَاهِ.]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا قَالَ اللِّصُّ الْغَالِبُ لِرَجُلٍ لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَعْتِقَنَّ عَبْدَك، أَوْ لَتُطَلِّقَنَّ امْرَأَتَك هَذِهِ أَيُّهُمَا شِئْت، فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ، فَمَا بَاشَرَ نَافِذٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيَغْرَمُ الْمُكْرَهُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَمِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ بِمُبَاشَرَتِهِ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا، فَالْإِتْلَافُ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ الْتَزَمَ الْأَكْثَرَ، فَالضَّرُورَةُ إنَّمَا تَحَقَّقَتْ لَهُ فِي الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الْبَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِ الْأَقَلِّ، فَيَكُونُ هُوَ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَقَلِّ غَيْرَ مُضْطَرٍّ، وَرُجُوعُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِسَبَبِ الِاضْطِرَارِ، فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ لِذَلِكَ.

وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا لَمْ يَغْرَمْ الْمُكْرِهُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فَالْمَهْرُ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ الْمُكْرِهُ عَلَيْهِ مِلْكَ الْبُضْعِ، وَذَلِكَ لَا يُضْمَنُ بِالْإِكْرَاهِ، وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ، فَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الْبَلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ هُوَ فِي إيقَاعِ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا بِهِ، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ، أَوْ قَيْدٍ، وَهُنَاكَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ، وَالْإِلْجَاءِ.

وَلَوْ قِيلَ: لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ، أَوْ لَتَكْفُرَنَّ بِاَللَّهِ أَوْ تَقْتُلُ هَذَا الْمُسْلِمَ عَمْدًا، فَإِنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَلَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِحَالٍ، فَتَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الشِّرْكِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ مُسَيْلِمَةَ أَخَذَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>