مُرْتَكِبٌ مَا هُوَ حَرَامٌ، وَهُوَ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ، وَهَتْكٌ لِلسِّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَطَعَ اللُّصُوصُ الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ، فَلَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ»، وَإِذَا اسْتَعَانُوا بِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ، وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُمْ، وَإِنْ أَتَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَرْضٌ، وَبِذَلِكَ، وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
قُلْت، وَالرَّجُلُ يَخْتَرِطُ السَّيْفَ عَلَى الرَّجُلِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ شَدَّ عَلَيْهِ بِسِكِّينٍ، أَوْ عَصًا، ثُمَّ لَمْ يَضْرِبْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يُعَزَّرُ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ تَخْوِيفِ الْمُسْلِمِ، وَالْقَصْدُ إلَى قَتْلِهِ، قُلْت، وَالرَّجُلُ يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ فَاسِقٌ، أَوْ يُوجَدُ الْقَوْمُ مُجْتَمَعِينَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ يَشْرَبُونَهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ جَلَسُوا مَجْلِسَ مَنْ يَشْرَبُهَا هَلْ يُعَزَّرُونَ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفَاسِقَ يَسْتَعِدُّ الْخَمْرَ لِلشُّرْبِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا لِإِرَادَةِ الشُّرْبِ، وَلَكِنْ بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ لَا يَتَقَرَّرُ السَّبَبُ عَلَى وَجْهٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَالتَّعْزِيرُ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، فَلِهَذَا يُعَزَّرُونَ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوجَدُ مَعَهُ رَكْوَةٌ مِنْ الْخَمْرِ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ رَكْوَةٌ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي عَهْدِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا يُقَامُ عَلَى الشَّارِبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى وَهْمِ كُلِّ أَحَدٍ أَنَّهُ يَشْرَبُ بَعْضَهَا، وَيَقْصِدُ الشُّرْبَ فِيمَا بَقِيَ مَعَهُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِهَذَا الْقَائِلِ لِمَ تَحُدَّهُ قَالَ: لِأَنَّ مَعَهُ آلَةَ الشُّرْبِ، وَالْفَسَادِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَارْجُمْهُ إذًا، فَإِنَّ مَعَهُ آلَةَ الزِّنَا، فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْحَدِّ بِمِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ، وَالتُّهْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مَنْ طَبَخَ الْعَصِيرَ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَجُلٌ طَبَخَ عَشَرَةَ أَرْطَالِ عَصِيرٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِطْلٌ، ثُمَّ أَهْرَاقَ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ مِنْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَطْبُخَ الْبَقِيَّةَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهَا كَمْ يَطْبُخُهَا قَالَ: يَطْبُخُهَا حَتَّى يَبْقَى مِنْهَا رِطْلَانِ، وَتُسْعَا رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الذَّاهِبَ بِالْغَلَيَانِ فِي الْمَعْنَى دَاخِلٌ فِيمَا بَقِيَ، وَكَانَ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ، فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ ذَلِكَ فِي مَعْنَى رِطْلٍ، وَتُسْعٍ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ بِالْغَلَيَانِ اقْتَسَمَ عَلَى مَا بَقِيَ أَتْسَاعًا، فَإِنْ انْصَبَّ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ، وَثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ رِطْلٍ يَكُونُ الْبَاقِي سِتَّةَ أَرْطَالٍ، وَسِتَّةَ أَتْسَاعِ رِطْلٍ، فَيَطْبُخُهُ حَتَّى يَبْقَى مِنْهُ الثُّلُثُ، وَهُوَ رِطْلَانِ، وَتُسْعَا رِطْلٍ.
وَلَوْ كَانَ ذَهَبَ بِالْغَلَيَانِ رِطْلَانِ ثُمَّ إهْرَاقَ مِنْهُ رِطْلَانِ قَالَ: يَطْبُخُهُ حَتَّى يَبْقَى مِنْهُ رِطْلَانِ، وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute