وَذَلِكَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الْبَدَلِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى حُجَّتِهِ فِي عُشْرِ تِسْعِينَ دِرْهَمًا. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الصُّلْحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي، وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ بِتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَشَرَطَ لَهُ التَّأْجِيلَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سِوَى الثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ وَذَلِكَ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ بِهِ كَفِيلًا وَأَخَّرَهُ بِهِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَعْطَاهُ بِمَا عَلَيْهِ كَفِيلًا، وَالطَّالِبُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَمَكَّنُ هُنَا مَعْنَى مُعَاوَضَةٍ، وَالْكَفَالَةُ بِالْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ سَوَاءٌ سَأَلَ الْمَطْلُوبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْأَلْ، وَالتَّأْجِيلُ يُثْبِتُ حَقًّا لِلْمَطْلُوبِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ فَأَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ بِهِ كَفِيلًا آخَرَ وَأَخَّرَهُ سَنَةً بَعْدَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ يَتِمُّ بِالطَّالِبِ وَالتَّأْخِيرُ بِإِيجَابِ الطَّالِبِ ذَلِكَ لِلْمَطْلُوبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ لَمَّا كَانَ تَمَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَخْصٍ آخَرَ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ نِصْفَ الْمَالِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْهُ مَا بَقِيَ سَنَةً بَعْدَ الْأَجَلِ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ فِي نِصْفِ الْمَالِ وَشَرَطَ عَلَى الطَّالِبِ التَّأْجِيلَ فِيمَا بَقِيَ سَنَةً أُخْرَى فَهَذَا مُبَادَلَةُ الْأَجَلِ بِالْأَجَلِ، وَهُوَ رِبًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُعَجِّلُ مُؤَجَّلًا بِتَأْخِيرِ شَيْءٍ آخَرَ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُعَاوَضَةِ الْأَجَلِ بِالْأَجَلِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَضَى الطَّالِبَ الْمَالَ قَبْلَ حَلِّهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ انْتَقَضَ فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْأَصْلِ وَسُقُوطُ الْأَجَلِ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّعْجِيلِ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سُتُّوقًا، أَمَّا فِي السَّتُّوقِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُوفِيًا لَهُ حَقَّهُ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ، وَفِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ قَدْ انْتَقَضَ قَبْضُهُ بِالرَّدِّ، وَسُقُوطُ الْأَجَلِ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِمَا فِي أَنَّ الرَّدَّ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ يَنْقُضُ الْقَبْضَ مِنْ الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ حِينَ عَادَ الْأَجَلُ وَلَكِنَّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute