رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْته عَنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ؟ قَالَ: يُرْفَعُ أَمْرُهَا إلَى الْحَاكِمِ؛ لِيُزَوِّجَهَا قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ قَالَ: يُفْعَلُ مَا قَالَ: سُفْيَانُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت: وَمَا فَعَلَ سُفْيَانَ قَالَ: تُوَلَّيْ أَمْرَهَا رَجُلًا لِيُزَوِّجَهَا ثُمَّ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَعَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي مَسَائِلُ الْجَامِعِ.
يَقُولُ فِي الْكِتَابِ: فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْحَاكِمُ أَوْ الْوَلِيُّ عَقْدَهَا يَكُونُ هَذَا رَدًّا لِلنِّكَاحِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَصِحُّ التَّطْلِيقَاتُ الثَّلَاثُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَكِنَّ هَذَا رَدٌّ لِلنِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ؛ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَاشْتِبَاهِ الْأَخْبَارِ فِي جَوَازِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ]
(قَالَ:) وَإِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ لَمْ يَأْمُرْهُ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِرِضَاهَا فَقَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَجَازَ النِّكَاحَ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هُوَ بَاطِلٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْعُقُودَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِي الْبُيُوعِ مَعْرُوفَةٌ، وَعِنْدَنَا تَتَوَقَّفُ الْعُقُودُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَوْ سَبَقَ الْإِذْنُ بِهِ مِمَّنْ يَقَعُ لَهُ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ فِي الِانْتِهَاءِ جُعِلَ ذَلِكَ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَوْ عُقِدَ هَذَا الْعَقْدُ بِإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ بِإِجَازَتِهِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَحِلٍّ قَابِلٍ لِلْعَقْدِ فَيَتِمُّ بِهِ الِانْعِقَادُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغَائِبِ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ عَلَيْهِ فِي الْتِزَامِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَتَرَاخَى الِالْتِزَامُ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ فَتَثْبُتُ صِفَةُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَيَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَوْ أَنَّ الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا الْحَاضِرَ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ إلَيْهِ حَتَّى زَوَّجَهَا مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ إلَيْهَا يَخْطُبُهَا فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُ أُمَّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَزَوَّجَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute