للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَةَ غُرَمَاءِ الْعَامِلِ وَوَرَثَتِهِ عَلَى دَعْوَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالشُّهُودُ إنَّمَا يُثْبِتُونَ الْحَقَّ لَهُ، فَبَعْدَ مَا أَكَذَبَهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ وَالْوَرَثَةُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ. وَلَوْ ادَّعَى هُوَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَكَذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

وَلَا يَمِينَ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ صَاحِبَ النَّخْلِ وَالْعَامِلُ أَحَدَ وَرَثَتِهِ فَأَقَرَّ لَهُ بِشَرْطِ النِّصْفِ بَعْدَ مَا بَلَغَ التَّمْرُ - فَإِقْرَارُهُ بَاطِلُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ لَهُ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِالْعَيْنِ بَاطِلٌ.

وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ حِينَ بَدَأَ بِالْعَمَلِ وَطَلَعَ الْكُفُرَّى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مَا بَلَغَ التَّمْرُ - أَخَذَ الْعَامِلُ مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِهِ مِنْ نِصْفِ التَّمْرِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ بِقَدْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَيُحَاصُّ أَصْحَابَ دَيْنِ الصِّحَّةِ بِهِ وَيُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. وَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ الْعَامِلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَقِيَ لَهُ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمَرِيضُ بَعْدَ مَا أَخَذَ أَجْرَ مِثْلِهِ - فَإِنَّ إقْرَارَ الْمُعَامَلَةِ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمَا ادَّعَى لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فِي الْمَرَضِ - اُسْتُحْلِفُوا عَلَى عَمَلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمَا ادَّعَى لَزِمَهُمْ، فَإِنْ أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا عَلَى عَمَلِهِمْ لِرَجَاءِ نُكُولِهِمْ.

وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ هُوَ الْعَامِلُ وَرَبُّ النَّخْلِ مِنْ وَرَثَتِهِ صُدِّقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ قِلَّةِ نَصِيبِهِ، كَمَا لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مُعِينًا لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي مَنَافِعِهِ وَلِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَنَافِعِهِ عَلَى وَارِثِهِ إلَّا أَنَّ بَيِّنَةَ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ مَقْبُولَةٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ بَاطِلٌ. وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ مِنْهُمْ عَلَى دَعْوَى الزِّيَادَةِ مَقْبُولَةً وَيُسْتَحْلَفُ الْخَصْمُ إذَا أَنْكَرَ، فَكَذَلِكَ إذَا طَلَبَ إقْرَارَهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فِي الرَّهْنِ]

[قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -]: رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ أَرْضًا وَنَخْلًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لَهُ، فَلَمَّا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ قَالَ لَهُ الرَّاهِنُ: احْفَظْهُ وَاسْقِهِ وَلَقِّحْهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَفَعَلَ ذَلِكَ - فَالْخَارِجُ وَالْأَرْضُ وَالنَّخِيلُ كُلُّهُ رَهْنٌ وَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَرْهُونِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ.

[أَلَا تَرَى] أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْحِفْظِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِئْجَارُ؟ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا سِوَى الْحِفْظِ مِنْ الْأَعْمَالِ فَتَكُونُ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً وَالْخَارِجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>