لِأَنَّ دَمَ الصَّيْدِ جُزْءٌ مِنْهُ كَلَحْمِهِ فَتَبَيَّنَ شُرْبُهُ مِنْ دَمِهِ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا دَلِيلُ حَذْقِهِ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَعْلَمُ رَغْبَتَهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ عِلْمِهِ، وَإِمْسَاكه عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَلَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الصَّيْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ بَازِيهِ يَصِيدُ بِهِ الْمُسْلِمُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الصَّيَّادَ مُرْسِلُ الْكَلْبِ لَا مَالِكُ الْكَلْبِ، وَمُرْسِلُ الْكَلْبِ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ التَّسْمِيَةِ، وَالْكَلْبُ آلَةُ الِاصْطِيَادِ فَاصْطِيَادُ الْمُسْلِمِ بِهِ يُوجِبُ الْحِلَّ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَجُوسِيِّ فَهُوَ كَاصْطِيَادِهِ بِقَوْسِهِ وَسَهْمِهِ
(وَعَنْهُ) فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ كَلْبَهُ فَيَذْهَبُ مَعَهُ كَلْبٌ آخَرُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّيْدَ وَيَأْخُذُ الصَّيَّادَ مَعَهُ قَالَ: لَا يُؤْكَلُ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَكَ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِكَ» وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ مِنْ شَرَائِطِهِ الْحِلُّ، وَانْعِدَامُهُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالصَّيْدُ صَارَ مَأْخُوذًا بِالْكَلْبَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ مُوجِبُ الْحِلِّ، وَمُوجِبُ الْحُرْمَةِ يَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ».
[رَمَى صَيْدًا فَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ]
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: مَنْ رَمَى صَيْدًا فَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَلَا يَأْكُلْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ التَّرَدِّي قَتَلَهُ، وَإِنْ رَمَى طَيْرًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَقُ قَتَلَهُ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُكَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُكَ» وَلِأَنَّ التَّرَدِّي وَجَبَ لِلْحُرْمَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ جُمْلَةَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَرَدِّيَةِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ مَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ وَمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ يَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَيَكُونُ عَفْوًا، وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، بِخِلَافِ الْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي مِنْ مَوْضِعٍ، فَإِنَّهُ يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ طَيْرُ الْمَاءِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مَجْرُوحٍ، فَأَمَّا بَعْدَ الْجُرْحِ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَاتِلًا لَهُ، كَمَا يُتَوَهَّمُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً، وَتَرَدَّى بَعْدَ الذَّبْحِ مِنْ مَوْضِعٍ، أَوْ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ ذَكَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَإِنَّهُ يُحَادِي بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ دُونَ مَا يَتَعَرَّضُ بَعْدَهُ، فَأَمَّا الرَّمْيُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، حَتَّى إذَا وَقَعَ الصَّيْدُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute