[كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ]
(قَالَ): الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْأُسْتَاذُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: الِاسْتِحْسَانُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالْأَخْذُ بِمَا هُوَ أَوْفَقُ لِلنَّاسِ وَقِيلَ: الِاسْتِحْسَانُ طَلَبُ السُّهُولَةِ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا يُبْتَلَى فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَقِيلَ: الْأَخْذُ بِالسَّعَةِ وَابْتِغَاءُ الدَّعَةِ وَقِيلَ: الْأَخْذُ بِالسَّمَاحَةِ وَابْتِغَاءُ مَا فِيهِ الرَّاحَةُ وَحَاصِلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ تَرْكُ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ دِينِكُمْ الْيُسْرُ» «وَقَالَ لِعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حِينَ وَجَّهَهُمَا إلَى الْيَمَنِ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا قَرِّبَا وَلَا تُنَفِّرَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا إنَّ الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبَغِّضُوا عِبَادَ اللَّهِ عِبَادَةَ اللَّهِ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى» وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْحَقِيقَةِ قِيَاسَانِ: أَحَدُهُمَا جَلِيٌّ ضَعِيفٌ أَثَرُهُ فَسُمِّيَ قِيَاسًا وَالْآخَرُ خَفِيٌّ قَوِيٌّ أَثَرُهُ فَسُمِّيَ اسْتِحْسَانًا أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَثَرِ لَا بِالْخَفَاءِ وَالظُّهُورِ كَالدُّنْيَا مَعَ الْعُقْبَى فَإِنَّ الدُّنْيَا ظَاهِرَةٌ وَالْعُقْبَى بَاطِنَةٌ وَتَرَجَّحَتْ بِالصَّفَاءِ وَالْخُلُودِ وَقَدْ يَقْوَى أَثَرُ الْقِيَاسِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الطَّرْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُؤَثِّرِ أَقْوَى مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: ١٧] {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ حَسَنٌ ثُمَّ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْأَحْسَنِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ هُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ثُمَّ أُبِيحَ النَّظَرُ إلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ كَمَا قُلْنَا
وَالْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ ذَكَرَ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ وَسَمَّاهُ كِتَابَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَلَوْ سَمَّاهُ كِتَابَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ غَضَّ الْبَصَرِ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute