[بَاب الصَّلَاة فِي السَّفِينَة]
بَابٌ فِي الصَّلَوَاتِ فِي السَّفِينَةِ (قَالَ) وَإِنْ اسْتَطَاعَ الرَّجُلُ الْخُرُوجَ مِنْ السَّفِينَةِ لِلصَّلَاةِ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَيُصَلِّيَ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ وَإِنْ صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْخُرُوجِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتِحْسَانًا وَلَا يُجْزِئُهُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّ السَّفِينَةَ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْتِ حَتَّى لَا يُصَلِّيَ فِيهِ بِالْإِيمَاءِ تَطَوُّعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَكَمَا إذَا تَرَكَ الْقِيَامَ فِي الْبَيْتِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يُجْزِئْهُ فِي أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فَكَذَلِكَ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِيَامِ فِي الْمَكْتُوبَةِ لِلْعَجْزِ أَوْ لِلْمَشَقَّةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْخُرُوجِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي حَالِ رَاكِبِ السَّفِينَةِ دَوَرَانُ رَأْسِهِ إذَا قَامَ وَالْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى الْعَامِّ الْغَالِبِ دُونَ الشَّاذِّ النَّادِرِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ جُعِلَ حَدَثًا عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ حَالُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ وَسُكُوتُ الْبِكْرِ رِضًا لِأَجْلِ الْحَيَاءِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ حَالِ الْبِكْرِ وَالشَّاذُّ يَلْحَقُ بِالْعَامِّ الْغَالِبِ فَهَذَا مِثْلُهُ (وَفِي) حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي السَّفِينَةِ قُعُودًا وَلَوْ شِئْنَا لَخَرَجَنَا إلَى الْحَدِّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صَلَّيْنَا مَعَ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قُعُودًا فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ شِئْنَا لَقُمْنَا فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ
(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي السَّفِينَةِ بِالْإِيمَاءِ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ الْجَوَازَ لَهُ بِالْإِيمَاءِ هُنَاكَ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ رَاكِبَ الدَّابَّةِ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعُ قَرَارٍ عَلَى الْأَرْضِ وَرَاكِبَ السَّفِينَةِ لَهُ فِيهَا مَوْضِعُ قَرَارٍ عَلَى الْأَرْضِ فَالسَّفِينَةُ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُجْرِيهَا بَلْ هِيَ تَجْرِي بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: ٤٢] وَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُجْرِيهَا حَتَّى يَمْلِكَ إيقَافَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute