وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ عَلَى قِيَاسِ هِبَةِ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ وَقِيلَ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَنْ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَهُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ طَارِئٌ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ إنَّمَا يُقْضَى بِالْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَيَكُونَ الشُّيُوعُ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ مَانِعَ صِحَّتِهَا.
وَإِذَا اخْتَصَمَ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ كَائِنًا مَا كَانَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ وَالدَّعْوَى حَتَّى يُحْضِرَا ذَلِكَ الَّذِي اخْتَصَمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمُدَّعِي شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَتَمَامُ الْإِعْلَامِ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَيْنِ وَإِحْضَارُ مَا يُنْقَلُ بِيُسْرٍ فَيُؤْمَرُ ذُو الْيَدِ بِإِحْضَارِهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ كُلِّفَ إحْضَارَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِالْإِجْمَاعِ يُكَلَّفُ الْحُضُورَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدُ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ فَكَذَلِكَ يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِ الْعَيْنِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَقَارًا فَحِينَئِذٍ إحْضَارُهُ مُتَعَذِّرٌ فَيُقَامُ ذِكْرُ الْحُدُودِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ مَقَامَ الْإِشَارَةِ إلَى الْعَيْنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَسِّرُ وَالْوَاجِبُ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ الْقَدْرُ الْمُتَيَسَّرُ وَهُوَ نَظِيرُ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى مُسْتَهْلَكًا فَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ فَيُقَامُ ذِكْرُ الْوَصْفِ وَالْقِيمَةِ مَقَامَ الْإِشَارَةِ إلَى الْعَيْنِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى هُنَا فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الْقِيمَةُ فَإِعْلَامُهُ بِذِكْرٍ صِفَتِهِ وَقِيمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَاب الدَّعْوَى فِي النِّتَاجِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا آخَرُ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا عِنْدَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ اسْتِحْسَانًا)، وَفِي الْقِيَاسِ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ مَقْصُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يَصِيرَ خَصْمًا لَا بِدَعْوَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُعَارِضُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ كَمَا بَيَّنَّا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْأَصْلِ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا لِلْأَثَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute