للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِقَادِ، وَبِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَهُنَاكَ بِمُقَابِلَةِ هَذَا الظَّاهِرِ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْشَاءٌ سَبَبُهُ التَّكَلُّمُ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِي الْإِنْشَاءَ، وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ اعْتِقَادِهِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ فَوْزٌ أَنَّهُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ.

وَإِذَا طَلَبَ وَرَثَةُ الْمُرْتَدِّ كَسْبَهُ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، وَقَالُوا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْكَسْبَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ سَبَبَ حِرْمَانِهِمْ ظَاهِرٌ، وَهُوَ رِدَّتُهُ عِنْدَ اكْتِسَابِهِ فَهُمْ يَدَّعُونَ عَارِضًا مُزِيلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ إسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ.

[نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ]

وَإِنْ نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ عَمِلَ فِي تَرِكَتِهِ وَرَثَتُهُ مَا يُعْمَلُ فِي تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَكُونُ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ الْخَوَارِجِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعْلَمْ أَنَّ الْفِتْنَةَ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ، وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّ مِنْ الْفِتْنَةِ أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ مِنْ النَّارِ» وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْفِتْنَةِ «كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِكَ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْكَ فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ أَوْ قَالَ عِنْدَ اللَّهِ» مَعْنَاهُ كُنْ سَاكِنًا فِي بَيْتِكَ لَا قَاصِدًا.

فَإِنَّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُجْتَمَعِينَ عَلَى وَاحِدٍ، وَكَانُوا آمِنِينَ بِهِ، وَالسَّبِيلُ آمِنَةً فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ الْخَارِجِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩]، وَالْأَمْرُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْخَارِجِينَ قَصَدُوا أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَإِمَاطَةَ الْأَذَى مِنْ أَبْوَابِ الدِّينِ، وَخُرُوجُهُمْ مَعْصِيَةٌ، فَفِي الْقِيَامِ بِقِتَالِهِمْ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ فَرْضٌ، وَلِأَنَّهُمْ يُهَيِّجُونَ الْفِتْنَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَمَنْ كَانَ مَلْعُونًا عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه يُقَاتِلُ مَعَهُ، وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرَهُ لَزِمَ بَيْتَهُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَاقَةٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى مَنْ يُطِيقُهُ، وَالْإِمَامُ فِيهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ قَامَ بِالْقِتَالِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمِرْتُ بِقِتَالِ الْمَارِقِينَ، وَالنَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ، وَلِهَذَا بَدَأَ الْبَابَ بِحَدِيثِ كَثِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ حَيْثُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>