وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجْتُك فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْأَصْلَ لِهَذَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأُمَّ وَوَلَدَهَا مَمْلُوكَيْنِ مَا خَلَا خَصْلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنْ تُقِرَّ بِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِإِقْرَارِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ، وَلَا يَغْرَمُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِبَيْعِهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهَا، وَأَخْذِ وَلَدِهَا فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ، وَكَانَتْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لِإِقْرَارِ مَوْلَاهَا بِذَلِكَ
قَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ، وَقَالَ الْآخَرُ مُنْذُ سَنَةٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْفِرَاشِ فِي الْحَالِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الظَّاهِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ
(قِيلَ): بَلْ صَاحِبُهُ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ.
(قُلْنَا) التَّارِيخُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ الظَّاهِرُ لَهُ فِي حَقِّ النَّسَبِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْمُنْكِرَ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَالْآنَ يَدَّعِي فَسَادَهُ بِإِنْكَارِ التَّارِيخِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَحْبَلَهَا فَهُوَ وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ صَدَقَا، وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا قَوْلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَبَقِيَ الْحَقُّ لَهُمَا، وَمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ لِقِيَامِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ (قِيلَ): كَيْفَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَدَّعِيهَا (قُلْنَا): مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ يَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ قَيِّمًا لِيُقِيمَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّهُ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إثْبَاتِهِ بِنَفْسِهِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ قَيِّمًا لِإِثْبَاتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ فِي هَذَا حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ ثُبُوتُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ ابْنُهُ، وَأَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْوَلَدِ]
(قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ فِي صِحَّتِهِ، وَأَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute