للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسَعُ الزَّوْجَ أَنْ يُقِرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْفَسَادِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِثُبُوتِ سَبَبِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ الْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِلزَّوْجِيَّةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلشِّرَاءِ، وَبَابُ الْحِلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا فَإِذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَالزَّوْجُ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِيهَا، وَعَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرُ قِصَاصٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعُقْرِ تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هُوَ غَصْبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ فَهُنَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ يُعْطِي بِحِسَابِ الْعُقْرِ وَالْمَوْلَى يَأْخُذُ بِحِسَابِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّمَنِ.

(قَالَ): وَهَذَا الْجَوَابُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْعَتَاق، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتَهَا لِلْمَوْلَى، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَنَوَادِرِ هِشَامٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرَ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فَسَّرَهُ هُنَا.

قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ، وَقَالَ الْمَوْلَى: بَلْ زَوَّجْتُك ثَبَتَ النَّسَبُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِمِلْكِهِ الْأُمَّ كَمَا عُرِفَ بِثُبُوتِهِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ

قَالَ: أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى وَلَدَهَا، وَقَالَ لِرَجُلٍ هِيَ أَمَتُك زَوَّجْتنِيهَا، وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْآخَرِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَأُمُّهُ أُمُّ، وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ؛ وَلِلْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا قِبَلَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ احْتَبَسَتْ عِنْدَهُ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُ، وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ هُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا، وَلَا فِي وَلَدِهَا لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهَا ظَاهِرًا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْلِدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ لَا يُعْرَفُ لِهَذَا فَقَالَ هَذَا: بِعْتُكهَا، وَقَالَ أَبُ الْوَلَدِ: زَوَّجْتنِي ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْبَيْعِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا عَلَى وَلَدِهَا سَبِيلٌ بِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَلِهَذَا ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا، وَلَمْ يَضْمَنْ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ جَمِيعَ بَدَلِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبُ الْوَلَدِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>