لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قُطِعَتْ يَدُكَ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَعْتَقْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ فِي قَوْلِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقَتِهِ وَطِئْتُكِ حَالَ مَا كُنْتِ أَمَةً لِي أَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ الْغَلَّةَ شَهْرَ كَذَا حِينَ كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ مَا عُزِلَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا فِي حَالِ مَا كُنْتُ قَاضِيًا وَأَخَذْتُهُ فَدَفَعْتُهُ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: قَطَعْتُ يَدَكَ وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ قَطَعْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ فَقَأْتُ عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي صَحِيحَةٌ، ثُمَّ ذَهَبَتْ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُكَ ذَاهِبَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ لِلْأَرْشِ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَأَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَدْيُونًا كَانَ أَخْذُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَطْعُ يَدِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ أَخْذُهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ قَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِنَا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي إقْرَارِهِ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الِالْتِزَامِ بَلْ كَانَ مُدَّعِيًا لِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ غَيْرُ مُوجَبٍ عَلَيْهِ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْيُونَةً أَوْ غَيْرَ مَدْيُونَةٍ. وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي حَالِ وِلَايَتِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الضَّمَانَ أَصْلًا فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِفْهَامِ]
(بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِفْهَامِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَمْسِ، فَقَالَ الطَّالِبُ بَلَى فَجَحَدَهُ الْمُقِرُّ فَالْمَالُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي " اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute