للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَا ابْنَ جَلَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْقَذْفِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُشْبِهُ هَؤُلَاءِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ أَوْ الْجُودِ أَوْ الْجَلَادَةِ، فَقَدْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ فِيهِمْ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ قَاذِفًا مُلْتَزِمًا لِلْحَدِّ

وَإِذَا نَسَبَ رَجُلٌ رَجُلًا إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فِي غَيْرِ غَضَبٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْغَضَبِ وَالسَّبِّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُبْهَمٍ مُحْتَمِلٍ وُجُوهًا إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: مُطْلَقُ الْكَلَامِ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا مَقْصُودُهُ الْمَدْحُ بِنِسْبَتِهِ إلَى جَوَادٍ أَوْ مُبَارِزٍ أَوْ مُتَبَحِّرٍ فِي الْعِلْمِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ الْحَسَنُ وَيَقُولُ يَا شَبِيهَا بَعْلَهُ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَهُ إلْحَاقُ الشَّيْنِ بِهِ فِي ذِكْرِ نِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا، فَإِذَا كَانَ يُعْتَبَرُ الْحَالُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ فِي لَفْظِ الْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَالَ: يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَأَرَادَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ أَرَادَ خِطَابَ إنْسَانٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لَعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، أَوْ قَالَ لَعَرَبِيٍّ: لَسْت بِعَرَبِيٍّ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إذَا قَالَ لَعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، أَوْ قَالَ: لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ لِقَبِيلَتِهِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْقَذْفُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلْآخَرِ أَنْتَ رُسْتَاقِيٌّ أَوْ خُرَاسَانِيٌّ أَوْ كُوفِيٌّ، وَلَا يُرِيدُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْقَذْفَ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ

[قَذَفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ]

(قَالَ) وَإِذَا قَذَفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا يُعَاقَبُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَطْرَافِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يُعَاقَبُ بِالتَّنَاوُلِ مِنْ عِرْضِهِ

(قَالَ) وَإِنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ، وَلَوْ قَتَلَهُ الْقَاذِفُ قُتِلَ بِهِ فَيُحَدُّ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِقَذْفِهِ

(قَالَ) رَجُلٌ قَالَ لِابْنِهِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ فَجَاءَ يَطْلُبُ الْحَدَّ يُضْرَبُ الْقَاذِفُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ الْأُمَّ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الْحَدِّ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُ الْقَاذِفِ وَالِابْنُ لَا يُخَاصِمُ أَبَاهُ فِي إقَامَةِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَالْمَقْذُوفِ يَبْقَى الْآخَرُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ الْمَقْذُوفِ ابْنَانِ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ مِمَّنْ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَتَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ عَامِلًا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>