حَقِّ الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَتْ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنَانِ فَعَفَى أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ لَهَا مِنْ الْقَاتِلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ فَكَانَ مِيرَاثًا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فَيَسْقُطُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا، إمَّا بِإِسْقَاطِهِ أَوْ لِمَعْنَى الْأُبُوَّةِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْآخَرِ الِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ، فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَصِرْ مِيرَاثًا لِلِابْنَيْنِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحَقُّ الْخُصُومَةِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ هُنَا مُنْكِرٌ وُجُوبَ الْحَدِّ لَا مُسْقِطٌ لَهُ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ وُجُوبَ الْحَدِّ بِالْحُجَّةِ اسْتَوْفَاهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْذُوفِ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ فَصَدَّقَهُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَدِّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا بِخُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ
وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْذُوفِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ حَاضِرًا كَانَ الْآخَرُ أَوْ غَائِبًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهَا وَحَالُ الِابْنَيْنِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
(قَالَ) رَجُلٌ قَذَفَ رَجُلًا قُدَّامَ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي يَقَعُ لَهُ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ فَوْقَ الْعِلْمِ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ مَعْنَى حَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ وَسَائِرُ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَالْقَاضِي يَقْضِي فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ اسْتَقْضَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ حَتَّى يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عِنْدَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ لَا يَخْتَلِفُ بَعْدَ مَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ وَقَبْلَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: حِينَ عَايَنَ السَّبَبَ اسْتَفَادَ عِلْمَ الشَّهَادَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِتَقْلِيدِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ، وَهُوَ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَايَنَ السَّبَبَ اسْتَفَادَ عِلْمَ الْقَضَاءِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ مُعَايَنَةَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَهُ، وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ اسْتَقْضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ فَأَمَّا فِي الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنْ عَايَنَ السَّبَبَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ أَقْوَى مِنْ عِلْمِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَأَيْت لَوْ لَقِيتَ رَجُلًا عَلَى الزِّنَا مَا كُنْت أَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ شَهَادَتُك عَلَيْهِ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ صَدَقْت وَرُوِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute