الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الدَّرْكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَحَرَّزَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ الدَّرْكِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَلَا خُصُومَةَ لَهُ بِالْعَيْبِ مَعَ الضَّامِنِ لِلدَّرْكِ، وَإِذَا رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ لِلدَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَيْسَ يُدْرَكُ.
وَإِذَا خَلَعَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الصَّدَاقِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَمْ تَطْلُقْ الْبِنْتُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ الْأَبِ عَلَى ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، كَمَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَالِ الِابْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ فِي الْخُلْعِ الْمَرْأَةَ تَلْتَزِمُ مَالًا بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهَا بِالْخُلْعِ شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى ابْنَتِهِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً فَهِيَ فِي الْخُلْعِ كَأَجْنَبِيٍّ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الدَّرْكَ لِلزَّوْجِ فَحِينَئِذٍ يَنْفُذُ الْخُلْعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الشُّرُوطِ.
وَإِذَا خَافَ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ مَتَاعٍ مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ يَبْعَثُ بِالْمَتَاعِ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ يَسْتَوْدِعُ الْمَالَ غَيْرَهُ فَيَصِيرُ ضَامِنًا فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَسْتَأْذِنَ رَبَّ الْمَالِ فِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ بِرَأْيِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِالتَّصَرُّفِ وَيَدْفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ أَجَازَ صَنِيعَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الصُّلْحِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُبْطِلُهُ غَيْرُنَا يَعْنِي شَرِيكًا وَابْنَ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: هَذَا تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْحَظْرِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ يَعْنِي إنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمِائَةَ فِي نُجُومِهَا، وَلَا يَدْرِي أَيُؤَدِّي أَمْ لَا يُؤَدِّي وَتَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْحَظْرِ لَا يَجُوزُ فَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَحُطَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْهُ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَاجِلًا ثُمَّ يُصَالِحَهُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهْرِ كَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخَّرَهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ فَلَا صُلْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا.
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي سَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَشَرْطَانِ فِي عَقْدٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْحَظْرِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ فِي السَّنَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ يُصَالِحَهُ مِنْهَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute