لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الشِّرْكِ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أُولَئِكَ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَاتِلُوهُمْ لِلدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الشِّرْكِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ قَاتَلَ بِالْحَبَشَةِ مَعَ الْعَدُوِّ الَّذِي كَانَ قَصَدَ النَّجَاشِيَّ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ آمِنًا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْخَوْفِ.
وَإِنْ أَغَارَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِي فِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْتَأْمَنُونَ عَلَى دَارٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسَرُوا ذَرَارِيَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا يُطِيقُونَ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوا ذَرَارِيَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِحْرَازِ فَهُمْ ظَالِمُونَ فِي اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَالْمُسْتَأْمَنُونَ مَا ضَمِنُوا لَهُمْ التَّقْرِيرَ عَلَى الظُّلْمِ فَلَا يَسَعُهُمْ إلَّا قِتَالُهُمْ لِاسْتِنْفَاذِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِيهمْ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ، وَقَدْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْمَنُونَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا أَغَارُوا عَلَى الْخَوَارِجِ، وَسَبَوْا ذَرَارِيَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَلَا تُمْلَكُ ذَرَارِيُّهُمْ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَسَعْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْ بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرِيمِهِمْ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ مُسْلِمُونَ فَفِي الْقِتَالِ مَعَهُمْ إعْزَازُ الدِّينِ، وَلِأَنَّهُمْ بِهَذَا الْقِتَالِ يَدْفَعُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمُرْتَدِّينَ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ أَنْ يُؤَجَّلَ فَإِذَا طَلَبَ ذَلِكَ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: ١٦] قِيلَ: الْآيَةُ فِي الْمُرْتَدِّينَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَقَتْلُ الْمُرْتَدِّ عَلَى رِدَّتِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ بِمَنْزِلَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْ أَغْلَظُ مِنْهُمْ جِنَايَةً، فَإِنَّهُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، وَلَمْ يُرَاعُوا حَقَّ ذَلِكَ حِينَ أَشْرَكُوا، وَهَذَا الْمُرْتَدُّ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ عَرَفَ مَحَاسِنَ شَرِيعَتِهِ ثُمَّ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ حِينَ ارْتَدَّ فَكَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إلَّا السَّيْفَ أَوْ الْإِسْلَامَ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ إلَّا أَنَّهُ إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ ارْتَدَّ لِأَجْلِهَا فَعَلَيْنَا إزَالَةُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ، أَوْ هُوَ يَحْتَاجُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute