للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَمَّى فَقَدْ تَقَرَّرَ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْحِلِّ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِ، كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَقَدْ تَقَرَّرَ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْحُرْمَةِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ هُنَا بِالذَّبْحِ فِي الشَّاةِ.

[صَيْدِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَذَبِيحَتِهِمَا]

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَذَبِيحَتِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] وَالْمُرَادُ الذَّبَائِحُ) إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا هُوَ سِوَاهَا مِنْ الْأَطْعِمَةِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ مَعْنًى، وَلِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ التَّوْحِيدَ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ الْمُسْلِمُ يُسَمِّي عَلَيْهِ الْمَسِيحَ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣] فَحَالُ الْكِتَابِيِّ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ: يَحِلُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا ذَبَحَ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِيرُ مُرْتَدًّا، وَإِنَّمَا لَا يُؤْكَلُ بِرِدَّتِهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ، وَقَدْ أَحَلَّ الشَّرْعُ ذَبَائِحَهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ ذَبِيحَتُهُمْ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ بِالصِّفَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْحُرْمَةِ بِتَسْمِيَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ الْحُرْمَةُ لَيْسَتْ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْكِتَابِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ (وَقَدْ) رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: وَإِذَا سَمِعْتُمُوهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ الْمَسِيحِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا.

قَالَ (فَإِنْ تَهَوَّدَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَنَصَّرَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَصَيْدُهُ)؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَيْثُ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ، فَلَا يَجُوزُ إخْبَارُهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى دَعْوَى اثْنَيْنِ، وَإِذَا كَانَ مُقِرًّا عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ اُعْتُبِرَ بِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ تَمَجَّسْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فِي الْأَصْلِ.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ غُلَامٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ وَهُوَ يَعْقِلُ الذَّبْحَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَصَيْدُهُ عِنْدَنَا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَبَوَيْهِ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْحِلَّ فَيَتَغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ الْمُسْلِم وَالْمَجُوسِيُّ فِي الِاصْطِيَادِ وَالذَّبْحِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يَنْصُرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» فَقَدْ جَعَلَ الْعَاقِلَ اتِّفَاقَ الْأَبَوَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ اتِّفَاقُهُمَا فِي التَّمَجُّسِ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَجُوسِيَّةِ فِي حَقِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>