للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاضَتْ بِسَرَفٍ اصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ».

وَمِنْهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْأَذَى أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَالِاطِّهَارُ بِالِاغْتِسَالِ. وَمَنّهَا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ». وَمِنْهَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ بَيَانُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: ٤] نُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَشْهُرِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حُكْمِ الِاسْتِبْرَاءِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَكَذَلِكَ النِّفَاسُ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ.

[فَصْلٌ مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ الدَّمَ فَجَاءَتْ تَسْتَفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ]

(فَصْلٌ): مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ الدَّمَ فَجَاءَتْ تَسْتَفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ هَلْ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؟ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولَانِ: بِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ الْحَيْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونَ حَيْضًا، وَالْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ فَتُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عُلِمَ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا فَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصِّيَامِ إذَا طَهُرَتْ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ أَذًى وَقَدْ تَيَقَّنَتْ بِهِ فِي وَقْتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَفِي هَذَا الِانْقِطَاعِ شَكٌّ فَحَكَمْنَا بِهَذَا الظَّاهِرِ وَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ وَجَعَلْنَاهَا حَائِضًا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ لِتَأَيُّدِهِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ وَإِلَى الْعَشَرَةِ الْإِمْكَانُ مَوْجُودٌ فَجَعَلْنَاهَا حَيْضًا وَإِذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا فَبِزِيَادَةِ السَّيَلَان لَا يُنْتَقَصُ الْحَيْضُ وَإِذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَيْضًا فَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>