للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ عِتْقِ النَّسَمَةِ عَنْ الْمَيِّتِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ نَسَمَةً لِيُعْتِقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ كَتَبَ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَصِيُّ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ اشْتَرَى مَمْلُوكًا يُقَالُ: لَهُ فُلَانُ الْفُلَانِيُّ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ اجْتَمَعَ بِكَذَا دِرْهَمًا نَسَمَةً كَانَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهَا لَهُ فَيُعْتِقُهَا عَنْهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ التَّقَابُضَ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الرَّسْمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّكَّ حِكَايَةُ مَا جَرَى، وَالْمَقْصُودُ التَّوْثِيقُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ فَالنَّسَمَةُ هِيَ الرَّقَبَةُ الَّتِي تُشْرَى لِلْعِتْقِ، وَيَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي رَقَبَةً أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلًا مُجْتَمِعًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّقَرُّبِ إنَّمَا يَتِمُّ بِإِعْتَاقِ مِثْلِهِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ عَاجِزَانِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْأُنْثَى كَذَلِكَ فَيَصِيرُ بَعْدَ الْعِتْقِ عِيَالًا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ يَتَخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ الرِّقِّ، وَيَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّكَسُّبِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ مَعْنَى الرَّقَبَةِ فِي إعْتَاقِ مِثْلِهِ، وَقَصَدَ الْمُوصِي التَّقَرُّبَ وَصِفَةُ الْإِطْلَاقِ تَقْتَضِي الْكَمَالَ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْتِقُ عَنْهُ بِالثُّلُثِ رَقَبَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمُوصِي، وَهُوَ قَصْدُهُ التَّقَرُّبُ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ النَّسَمَةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ مَحَلِّهَا، وَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ بِالثُّلُثِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَدَّقَ لَهُ مِنْ مَالِهِ بِمِائَةٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَهَا لَهُ الْمُوصِي لَا يَجُوزُ، وَهُوَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ بِنَسَمَةٍ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاَلَّتِي قِيمَتُهَا خَمْسُونَ غَيْرُ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَشْتَرِي بِثُلُثِ مَا يُوجَدُ كَانَ هَذَا تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْمُوصِي، ثُمَّ لِلْمُوصِي فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ التَّحَرُّزُ عَنْ إعْتَاقِ الْحَدِيثِ وَالتَّقَرُّبُ بِإِعْتَاقِ أَفْضَلِ الرِّقَابِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ: أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَرْغَبُ فِي وَلَاءِ عَبْدٍ كَثِيرِ الْقِيمَةِ وَيَتَحَرَّزُ عَنْ وَلَاءِ قَلِيلِ الْقِيمَةِ، فَفِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ إبْطَالُ مَقْصُودِ الْمُوصِي، وَإِلْزَامُ وَلَاءٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ وَبِهَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا نَظِيرُ هَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ لَوْ أَنَّ صَحِيحًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُحِجَّ عَنْهُ رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَحَجَّ عَنْهُ رَجُلًا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهُنَاكَ يَصِيرُ مُخَالِفًا ضَامِنًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>