للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ طَافَ وَسَعَى لِحَجَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَهُ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ قُلْنَا مَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بَلْ كَانَ ذَلِكَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِمِثْلِهِ فَلِهَذَا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّوَافَ، وَالسَّعْيَ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي حُكْمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَهَذَا الدَّمُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا

[وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ]

(قَالَ) فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ لَمْ يَكُنْ مُحْصَرًا لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ مُنِعْتُمْ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَإِنَّمَا مُنِعَ هَذَا بَعْدَ الْإِتْمَامِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْصَارِ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ، وَبَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ فَلَا يَكُونُ مُحْصَرًا، وَلَكِنَّهُ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَوَافَ الصَّدَرِ، وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ، وَلِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ دَمٌ، وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ شَيْءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ إنَّكُمْ قُلْتُمْ إذَا ازْدَادَتْ عَلَيْهِ مُدَّةُ الْإِحْرَامِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِحْصَارِ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ ازْدَادَتْ مُدَّةُ الْإِحْرَامِ هُنَا فَلِمَاذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِحْصَارِ فِي حَقِّهِ؟ قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ بَعْضُ الدِّمَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَلُّلِ هُنَا

(قَالَ) وَإِذَا قَدِمَ مَكَّةَ فَأُحْصِرَ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَرًا، وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمُحْرِمِ يُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا فَقُلْت أَلَيْسَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ»، وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ إنَّ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ دَارَ الْحَرْبِ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ فِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِنَّمَا أَنَا أَقُولُ إذَا غَلَبَ الْعَدُوُّ عَلَى مَكَّةَ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنْ الطَّوَافِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَيَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَإِنْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُقُوفِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لِيُتِمَّ حَجَّهُ، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>