للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ بِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا وَرَفْعُ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ حُكْمًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ لِلْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ لَا أَنَّ الْكِتَابَةَ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ، وَالْإِذْنُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فَخَلُّوهُ عَنْ الْعِوَضِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ مَعَ الْمُسْتَفَادِ بِالْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الرَّقِيقِ وَاعْتِبَارُ الْكَلَامِ بِكَوْنِهِ صَادِرًا عَنْ مُمَيَّزٍ أَوْ مُخَاطَبٍ وَلَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ وَمَحِلُّ التَّصَرُّفَاتِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ وَلَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ فَإِنَّ صَلَاحِيَّةَ الذِّمَّةِ لِلِالْتِزَامِ مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ وَبِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبَشَرِ إلَّا أَنَّ الذِّمَّةَ تَضْعُفُ بِالرِّقِّ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِيهَا إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ الْإِذْنُ فَكًّا لِلْحَجْزِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ نَظِيرُ مِلْكِ الْحِلِّ فَإِنَّهُ مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ يُنْتَقَصُ حَتَّى أَنَّ الْحِلَّ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ نِصْفُ مَا هُوَ فِي حَقِّ الْحُرِّ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ بِالرِّقِّ الْأَهْلِيَّةُ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَمْلُوكًا مَالًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا مَالًا وَكَوْنِهِ مَالِكًا لِلْمَالِ مُنَافَاةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْعَدِمُ بِالرِّقِّ الْأَهْلِيَّةُ لِلْمَالِكِيَّةِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ مَمْلُوكًا نِكَاحًا.

فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَدِمَ بِالرِّقِّ الْأَهْلِيَّةُ لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا تَصَرُّفًا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ التَّصَرُّفَاتِ عَلَيْهِ.

قُلْنَا إنَّمَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا تَصَرُّفًا بِنَفْسِهِ بَيْعًا أَوْ تَزْوِيجًا فَلَا جَرَمَ تَنْعَدِمُ الْأَهْلِيَّةُ لِمَالِكِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَيَكُونُ نَائِبًا فِيهِ عَنْ الْمَوْلَى مَتَى بَاشَرَ بِأَمْرِهِ وَلَكِنَّهُ مَا صَارَ مَمْلُوكًا تَصَرُّفًا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ ابْتِدَاءً فَتَبْقَى لَهُ الْأَهْلِيَّةُ فِي مِلْكِ هَذَا التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>