للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِقْرَارِ، وَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ بَقِيَ مَالِكًا لِهَذَا التَّصَرُّفِ فَإِنْ قِيلَ انْعِدَامُ الْأَهْلِيَّةِ لِخُرُوجِهِ بِالرِّقِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ، وَالتَّصَرُّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا بَلْ لِحُكْمِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مِلْكُ الْيَدِ، وَالرَّقِيقُ أَهْلٌ لِذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى): أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِ الْيَدِ يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الرِّقِّ أَهْلٌ لِلْحَاجَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِقَضَائِهَا وَأَدْنَى طَرِيقِ الْحَاجَةِ مِلْكُ الْيَدِ فَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِلتَّصَرُّفِ وَمِلْكُ الْعِتْقِ مَشْرُوعٌ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ فَمَا هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ، ثُمَّ مَاتَ فَمَتَى اخْتَارَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ ثَبَتَ مِلْكُ الْعَيْنِ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمُوَرِّثِ بِتَصَرُّفٍ بَاشَرَهُ الْمُوَرِّثُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ شَرْعًا الْآثَارُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا الْكِتَابَ.

فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ»، وَفِيهِ دَلِيلُ تَوَاضُعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ رُكُوبَ الْحِمَارِ مِنْ التَّوَاضُعِ وَقَدْ كَانَ يَعْتَادُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى رُوِيَ «أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» وَرُوِيَ «أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ وَأَرْدَفَ» وَذَلِكَ مِنْ التَّوَاضُعِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ مَنْ رَكِبَ الْحِمَارَ وَسَعَى فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ»، وَفِي لِسَانِ النَّاسِ رُكُوبُ الْفَرَسِ عِزٌّ، وَرُكُوبُ الْجِمَالِ كَمَالٌ، وَرُكُوبُ الْبَغْلِ مَكْرَمَةٌ وَرُكُوبُ الْحِمَارِ ذُلٌّ وَلَا ذُلَّ كَالتَّرَجُّلِ وَكَذَلِكَ إجَابَةُ دَعْوَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ التَّوَاضُعِ وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَجَابَ دَعْوَةَ عَبْدٍ».

وَرُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الرَّجُلِ الدُّونِ يَعْنِي الْمَمْلُوكَ»، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَادِ الدَّعْوَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَطَرِيقُ الِاكْتِسَابِ التِّجَارَةُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ، وَأَنَّ مَا يَكْسِبُهُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِذْنِ حَلَالٌ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِأَنْ يَتَّخِذَ الدَّعْوَةَ بَعْدَ أَنْ لَا يُسْرِفَ فِي ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يُجِيبُ الدَّعْوَةَ وَكَانَ يَقُولُ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ».

، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ كُلُّ دَيْنٍ حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُولُ إذَا حَجَرَ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعْنَاهُ يَلْزَمُهُ كُلُّ دَيْنٍ يَكْتَسِبُ سَبَبَ وُجُوبِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ كَالْإِقْرَارِ، وَالِاسْتِئْجَارِ، وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ الدَّيْنَ بِسَبَبِهِ كَالْحُرِّ وَإِذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ بِمُبَاشَرَةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>