حَقِّ الْمَوْلَى لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهُ بِاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَا يَجِبُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَكَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ.
، وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ الْحَجْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَامًّا مُنْتَشِرًا، وَأَنَّ الِانْتِشَارَ فِيهِ بِكَوْنِهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ فَأَنَّهُ رَفَعَ الْإِذْنَ الَّذِي هُوَ عَامٌّ مُنْتَشِرٌ، وَفِي تَصْحِيحِهِ بِدُونِ الِانْتِشَارِ مَعْنَى الْإِضْرَارِ، وَالْغُرُورِ كَمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ رَأَيْتُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِشْرِينَ عَبْدًا كُلَّهُمْ يَتَّجِرُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الْإِذْنِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاكْتِسَابِ الْغِنَى، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِلِّهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى غِنَى الْعَبَّاسِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ عَبْدًا رَأْسُ مَالِ كُلِّ عَبْدٍ عَشَرَةٌ آلَافٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَكَانَ سَبَبُ ثَرْوَتِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ دَنَانِيرَ فِي الْفِدَاءِ حِينَ أُسِرَ فَلِمَا أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَانَ يَتَأَسَّفُ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى إنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: ٧٠]
وَكَانَ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُظْهِرُ السُّرُورَ بِغِنَاهُ وَيَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَنِي بِشَيْئَيْنِ الْغِنَى فِي الدُّنْيَا، وَالْمَغْفِرَةَ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ أَنْجَزَ لِي أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْرِمَنِي مِنْ الْآخَرِ إنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ الضَّرِيبَةَ فَهِيَ تِجَارَةٌ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنْ الْمَوْلَى اسْتَأْدَى عَبْدَهُ الضَّرِيبَةَ فَذَلِكَ إذْنٌ مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا بِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَلِتَحَصُّلِهِ طَرِيقَانِ التَّكَدِّي، وَالتِّجَارَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَقْصِدُ تَحْصِيلَهُ الْمَالَ بِالتَّكَدِّي فَالسُّؤَالُ يُدْنِي الْمَرْءَ وَيَبْخَسُهُ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السُّؤَالُ آخِرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» أَيْ يَبْقَى فِي ذُلِّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الِاكْتِسَابُ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ وَرِضَاهُ بِالتِّجَارَةِ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ بِالتِّجَارَةِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ كَمَا ثَبَتَتْ نَصًّا.
، وَعَنْ شُرَيْحٍ فِي عَبْدٍ تَاجِرٍ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ كُلَّ دَيْنٍ ظَهَرَ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى يُبَاعُ فِيهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَحْسُوسٌ لَا يَنْعَدِمُ بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ فَكَذَلِكَ دَيْنُ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْإِذْنِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُبَاعُ فِيهِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ رَجُلًا فِي دَيْنِهِ يُقَالُ لَهُ سَرَفٌ» فَحِينَ كَانَ بَيْعُ الْحُرِّ جَائِزًا بَاعَ الْحُرُّ فِي دَيْنِهِ وَبَيْعُ الْعَبْدِ جَائِزٌ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِي كُلِّ دَيْنٍ يَظْهَرُ وُجُوبَهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى.
، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى عَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute