للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَفَالَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْمَاضِي فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ عَادَةً فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِمَا سَبَقَ الْإِقْرَارُ بِهِ عَلَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِمَا يَقِرُّ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا يَقِرُّ لَك كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ لَك فِي مَعْنَى مَا يَذُوبُ فَهَذَا قِيَاسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ ضَمَانِ مَا يُبَايِعُ بِهِ الرَّجُلُ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ: بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْتَهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ؛ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَالْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى التَّوَسُّعِ وَلِأَنَّ جَهَالَةَ عَيْنِهَا لَا تُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ الْعُقُودِ.

وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ. وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدَ الْمُبَايَعَةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ مَا بَايَعَهُ بِهِ مَعْلُومٌ، وَيَسْتَوِي إنْ وَقَّتَ لِذَلِكَ وَقْتًا أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ إلَّا أَنَّ فِي الْمُوَقَّتِ يُرَاعَى وُجُودُ الْمُبَايَعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا قَالَ: مَا بَايَعْته بِهِ الْيَوْمَ فَبَاعَهُ غَدًا؛ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ إذَا كَرَّرَ مُبَايَعَتَهُ فِي الْيَوْمِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ مَا يُوجِبُ الْعُمُومَ.

وَإِذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَإِذَا بَايَعْته مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ لِوُجُودِ الْحَرْفِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْمِيمِ فِي كَلَامِهِ وَيَسْتَوِي إنْ بَايَعَهُ بِالنُّقُودِ أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَا بَايَعْته بِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَجْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: بِعْته شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ مِنِّي فَأَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ بَايَعَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَقَدْ رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ نَاشِئٌ عَنْ مُبَايَعَتِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ أَنْكَرَا جَمِيعًا يَعْنِي: الْمَطْلُوبَ وَالْكَفِيلَ لَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ لَزِمَهُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: الْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مَعَ الطَّالِبِ تَصَادَقَا عَلَى الْمُبَايَعَةِ فِي حَالٍ يَمْلِكَانِ إنْشَاءَهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ أَنْشَآ الْمُبَايَعَةَ لَزِمَ ذَلِكَ الْكَفِيلَ وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ يَكُونُ مَقْبُولَ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ قَبْلَ الْعَزْلِ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ.

وَالْمُطَلِّقُ قَبْلَ انْقِضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>