النِّيَابَةُ فِي أَدَائِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِيصَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْأَدَاءِ، فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ. (وَحُجَّتُنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكَلْت فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَبْقَيْتَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مَالُ الْوَارِثِ»، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ يُمْضِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ يَكُونُ مَالَ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَبِهِ عَلَّلَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ صَارَ مِلْكَ الْوَارِثِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ لِيُؤْخَذَ مِلْكُهُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ حُقُوقِ الْعِبَادِ إذَا اجْتَمَعَا فِي مَحَلٍّ تُقَدَّمُ حُقُوقُ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْإِيتَاءِ وَفِعْلُ الْإِيتَاءِ لَا يُمْكِنُ إقَامَتُهُ بِالْمَالِ لِيَقُومَ الْمَالُ فِيهِ مَقَامَ الذِّمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْوَارِثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَائِبًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا هُوَ عِبَادَةٌ. وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَفِعْلٍ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِلَافَةُ الْوَارِثِ الْمُورِثَ تَكُونُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُورِثِ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ وَاسْتِيفَاءُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ تُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيَظْهَرُ بِمَا ذَكَرْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ دُيُونِ الْعِبَادِ إذَا تَأَمَّلْتَ.
فَإِنْ كَانَ مَوْتُ صَاحِبِ السَّائِمَةِ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعْ بِهِ حُكْمُ الْحَوْلِ عِنْدَنَا لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُبْنَى عَلَى حَوْلِهِ، فَإِذَا تَمَّ فَعَلَى الْوَارِثِ الزَّكَاةُ قَالَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْمُورِثِ، وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ مِلْكٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ لِلْوَارِثِ مُتَجَدِّدَةٌ، وَفِي حُكْمِ الزَّكَاةِ الْمَالِكُ مُعْتَبَرٌ فَلِتَجَدُّدِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ قُلْنَا يُسْتَقْبَلُ الْحَوْلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ]
(الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ) حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ بَقَرَةٌ لَهَا ثُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّه شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute