للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ بَلَّغْتُ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً سَائِمَةً صَدَقَةٌ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي أَرْبَعِينَ مِنْهَا مُسِنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ وَبِهَذَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ»، وَلَمْ يُفَسِّرْ هَذَا الْكَلَامَ وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَقَرَةً فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٌ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ عِنْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ إلَى سَبْعِينَ ثُمَّ بَعْدَ سِتِّينَ الْأَوْقَاصُ تِسْعٌ تِسْعٌ وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ حَتَّى إذَا كَانَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي الْمِائَةِ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ شَاءَ أَدَّى ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَتَبَعَةً فَإِنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُ مَرَّاتٍ ثَلَاثُونَ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - حَدِيثُ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَأْخُذُوا مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوا الْأَوْقَاصَ بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، وَلِأَنَّ مَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْإِشْقَاصُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ حَتَّى إنَّ فِي الْإِبِلِ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَدَدِ أَوْجَبَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ تَحَرُّزًا عَنْ إيجَابِ الشِّقْصِ فَكَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ لَا تَجُوزُ الْإِشْقَاصُ؛ لِأَنَّهَا عَيْبٌ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بِمَا بَعْدَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ نَصْبَ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَإِنَّمَا يَكُونُ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ النَّصُّ، وَلَا نَصَّ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ النِّصَابِ فِيهِ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ بِحِسَابِ مَا سَبَقَ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِهِ حَالَ قِلَّةِ الْعَدَدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْوَقَصَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>