فِي الِابْتِدَاءِ يَكُونُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَوْقَاصِ الصِّغَارُ وَهِيَ الْعَجَاجِيلُ وَبِهِ نَقُولُ إنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا (قَالَ) وَالْجَوَامِيسُ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ مِنْ زَكَاةِ الْغَنَمِ
(قَالَ) وَذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا فِي الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ فِي الْأَخْذِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا إلَّا الْإِنَاثُ وَهَذَا لِتَقَارُبِ مَا بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَتَبَايُنِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْإِبِلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ.
فَأَمَّا الْخَيْلُ السَّائِمَةُ إذَا اخْتَلَطَ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَدَّى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لَا شَيْءَ فِيهَا. فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا كُلَّهَا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا كُلَّهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَهَا فِي كِتَاب الْآثَارِ. وَجْهُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَفَوْتُ لِأُمَّتِي عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِمَامِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَجِبُ مِنْ عَيْنِهَا شَيْءٌ، وَمَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِي الْمُرَابِطَةِ شَيْءٌ»، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ زَيْدٌ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَرَادَ فَرَسَ الْغَازِي، فَأَمَّا مَا حُبِسَتْ لِطَلَبِ نَسْلِهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ، فَقَالَ: كَمْ، فَقَالَ: فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَار أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ سَائِمٌ فِي أَغْلِبْ الْبُلْدَانِ فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، إلَّا أَنَّ الْآثَارَ فِيهَا لَمْ تَشْتَهِرْ لِعِزَّةِ الْخَيْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا كَانَتْ إلَّا مُعَدَّةً لِلْجِهَادِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعُ كُلِّ طَامِعٍ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا بِهِ لَا يَتْرُكُونَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute