فِي مَالِ هَؤُلَاءِ مِلْكٌ، وَلَا حَقُّ مِلْكٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْغُرُورِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ بِالْعَبْدِ إلَى السُّوقِ فَقَالَ: هَذَا عَبْدِي فَبَايِعُوهُ فَقَدْ أَذَنْتُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايِعُوهُ، وَبَايَعَهُ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا أَوْ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَعَلَى الَّذِي أَمَرَهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ وَلِسَائِرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ صَارَ غَارًّا لَهُمْ فَإِنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُمْ بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّهُ يَصْرِفُ مَالِيَّتَهُ إلَى دُيُونِهِمْ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ، وَيَصِيرُ الْآمِرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ لَهُمْ بِذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَمَا قَالَهُ كَانَ حَقُّهُمْ ثَابِتًا فِي مَالِيَّتِهِ، وَكَانَ الْمَوْلَى كَالْكَفِيلِ لَهُمْ عَنْ عَبْدِهِ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْغُرُورِ ثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا وُجِدَ فِيهِ الْغُرُورُ أَوْ الْكَفَالَةُ، وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ دُيُونِهِ، وَمَنْ خَاطَبَهُ بِكَلَامِهِ وَلَمْ يَحْضُرْ مَقَالَتَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْإِذْنِ، وَالْإِذْنُ إذَا كَانَ عَامًّا مُنْتَشِرًا يَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ، وَفِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَكَذَلِكَ الْإِذْنُ، وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالْكَفَالَةِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ قَالَ فَقَدْ أَذَنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: هَذَا عَبْدِي فَبَايِعُوهُ فَالْغُرُورُ وَالْكَفَالَةُ تَثْبُتُ بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَأَمْرُهُ إيَّاهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
وَلَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَكْسُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى، وَلَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ أَمْ لَا يَحْصُلُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْكَفَالَةِ وَالْغُرُورِ، وَإِنْ شَاءُوا رَجَعُوا بِدَيْنِهِمْ عَلَى الَّذِي وَلِيَ مُبَايَعَتَهُمْ إنْ كَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ سَبَبَ الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتِقَ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِمَالِيَّتِهِ، وَإِنْ اخْتَارُوا ضَمَانَ الْمَوْلَى ثُمَّ تَوَى مَا عَلَيْهِ اتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ إذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ فِي ذِمَّتِهِ صَحِيحٌ، وَالْمَوْلَى كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ إذَا عَتَقَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَكِنَّ الْعَبْدَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ كَانَ دَبَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ أَوْ كَاتَبَ أُمَّهُ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ اسْتِيفَاءُ دُيُونِهِمْ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ؛ لِثُبُوتِ حَقِّ عِتْقِهِ لَهُمْ عِنْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute