وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الذِّرَاعَ فِي الثَّوْبِ صِفَةٌ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِ الثَّوْبِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَلَمْ تَكُنْ حِصَّةُ الذِّرَاعِ مَعْلُومَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ أَمَّا فِي الْمُقَدَّرَاتِ لَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَأَتَاهُ بِطَعَامٍ جَيِّدٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ بِمُقَابَلَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزٍ وَسَطٍ وَدِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ وَهَذَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ هَذَا الْقَفِيزَ الْجَيِّدَ عِوَضًا عَنْ الْوَسَطِ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَعَنْ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ
وَلَوْ أَتَاهُ بِأَحَدَ عَشَرَ قَفِيزًا وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ بِمُقَابَلَةِ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ وَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ أَتَاهُ بِعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ فَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصِّفَةِ فَكَيْفَ تَسْتَقِيمُ الْإِقَالَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فِيهِ وَلَوْ أَتَاهُ بِتِسْعَةِ أَقْفِزَةٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا يَجُوزُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْقَفِيزَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَحِصَّةُ الْقَفِيزِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومَةٌ بِخِلَافِ ذُرْعَانِ الثَّوْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَزِيدُ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَتَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَحُطُّ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْحَطُّ أَيْضًا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَةِ الصِّفَةِ أَوْ يَكُونُ فِيهِ إقَالَةُ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا أَتَى بِالْأَجْوَدِ وَرَبُّ السَّلَمِ أَحْسَنَ إلَيْهِ حِينَ تَجَوَّزَ بِالرَّدِيءِ فَإِذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَجَبَ حَمْلُ تَصَرُّفِهِمَا عَلَيْهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: ١٧] {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى النَّصِّ وَالْمُقَابَلَةِ أَمَّا إذَا نَصَّا عَلَى ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ فَعْلِهِمَا عَلَى التَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ هِبَةً وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ فِي الطَّعَامِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّوْبِ إذَا أَتَاهُ بِأَرْدَأَ مِمَّا شَرَطَ أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا شَرَطَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ.
[الِاخْتِلَاف فِي السَّلَم]
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ فَقَالَ: الطَّالِبُ شَرَطْتَ لِي جَيِّدًا وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ شَرَطْتُ لَكَ وَسَطًا أَوْ قَالَ: الطَّالِبُ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي حِنْطَةٍ وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ أَسْلَمْتَ إلَيَّ فِي شَعِيرٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) وَحُكْمُ التَّحَالُفِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» وَسَنُقَرِّرُ هَذَا فِي بَابِ التَّحَالُفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ الْآنَ إذَا اخْتَلَفَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute