يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لِكَافِرٍ فَتَقَابَلَ الْمَوْهُومَاتُ مَعَ أَنَّ الْمَوْهُومَ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدَيْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْقِيَاسِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ عَلَى الْكَافِرِ مِنْهُمَا فَيَقْضِي لَهُ بِمَا فِي يَدِ الْكَافِرِ لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِلُقَطَةٍ لِرَجُلٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قُضِيَتْ بِهَا لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَالْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحَجَّةٍ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَالضَّعِيفَ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا أَوَّلًا، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَاسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ إنْ شَاءَ الدَّافِعَ، وَإِنْ شَاءَ الْقَابِضَ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ بِالْحُجَّةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الدَّافِعَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ الْقَابِضَ أَخَذَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِضَامِنٍ شَيْئًا، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْقَابِضَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الدَّافِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ دَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَابِضَ إنْ شَاءَ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ فَقَدْ قَالَ مَرَّةً فِي آخَرِ هَذَا الْكِتَابِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ، وَحَيْثُ قَالَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ فَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَا قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ إذَا قَالَ: هَذَا الْعَيْنُ فِي يَدِي لِفُلَانٍ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ضَمِنَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ دَفَعَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ سَلَّطَ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ دَلَّ إنْسَانًا عَلَى سَرِقَةِ الْوَدِيعَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، وَالدَّفْعُ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا الْمُلْتَقِطُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ شَيْئًا لِمَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْإِبَاقِ]
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ بِأَنَّ الْإِبَاقَ تَمَرُّدٌ فِي الِانْطِلَاقِ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ، وَرَدَاءَةٌ فِي الْأَعْرَاقِ يُظْهِرُ الْعَبْدُ عَنْ سَيِّدِهِ فِرَارًا لِيَصِيرَ مَالُهُ ضِمَارًا، فَرَدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ وَإِعَادَتُهُ إلَى مَثْوَاهُ إحْسَانٌ وَامْتِنَانٌ، وَإِنَّمَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ، فَالْكِتَابُ لِبَيَانِ الْجَزَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلرَّادِّ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي الْعُقْبَى بِإِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ وَمَنْعِ الْمُعْتَدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute